السوريون و"شارلي إيبدو"

السوريون و"شارلي إيبدو"
القصص | 14 يناير 2015

يتعرض العالم الإسلامي كل فترة لهزة تجعله في مواجهة الآخر، في موقف الدفاع عن معتقده وإظهار محاسن دينه، وبأن من يقوم بتشويه الإسلام ليسوا من المسلمين إنما هم مجموعة ضلت طريق الصواب، إلى آخر ذلك من تبريرات وانقسام حول كل فعل يخص الرسول محمد (ص)، وستتكرر الحوادث مراراً دون أي تخطيط لاحق لعدم تكرار ردات الفعل.

ما يدعو للاستغراب أن أموالاً بحجم دول، تصرف على نشر الدين الإسلامي في بلاد العالم، إضافةً للمؤتمرات التي تقام للعلماء المسلمين، إلا أنه لم تصدر أية فتوى متماشية مع العصر الحديث، لمعالجة مثل قضايا الرسوم وغيرها، فالدين الإسلامي وقف الاجتهاد فيه، منذ مئات السنين وبقي يعيش في العصور التي ظهر فيها، واقتصرت الفتاوى على إرضاع الكبير وغيرها، من الفتاوى الغريبة العجيبة.

لا يمكن الحديث عن تلك الحوادث، دون أن يكون للسوريين دور وموقف منها، في  عام ٢٠٠٦ وفي مشهد كان يحدث للمرة الأولى في دمشق، اقتحم الآلاف من الغاضبين سفارتي الدنمارك والنرويج، وأضرموا النار فيهما انتقاماً للرسول، كرد على الرسوم التي نشرت في صحيفة دنماركية، كان هذا الحادث مسباراً لكشف ردات فعل المجتمع، حيث أن فئة كبيرة من السوريين كانوا يعتقدون، أن هذا الأمر لا يحدث في سوريا، ليس لإنها لا تغضب وحسب، أو أنها واعية أو لا، بل لأن طبيعة النظام كانت لا تسمح إلا بالتظاهرات الوطنية (المؤيدة)، فكيف خرج هؤلاء الآلاف وكيف اخترقوا التحصينات الأمنية والعسكرية، سؤال مازال بلا إجابات، في الوقت الذي كان يحلم معارضو النظام بأن يخرج ربعهم إلى ساحات دمشق، إبان إندلاع الثورة السورية في  آذار ٢٠١١.

ويجب ألا نغفل جانباً آخر، وهو أن الانفتاح الإعلامي عبر المحطات الفضائية، أتاح للشعوب العربية أن تنتقل العدوى إليها سريعاً، وأن تتفاعل مع أحداث جديدة عليها، كما حدث بعد ثورة تونس، فكان الإعلام وخاصة المحطات الإخبارية الخليجية هي القائد الفعلي لتلك الثورات، وخاصة السورية ووسمها بالطابع الإسلامي.

أما تعامل السوريين مع الجريمة المروعة التي تعرضت لها مجلة (شارلي إيبدو) الأسبوع الماضي في باريس، فقد كان تعاملاً استثنائياً ومختلفاً عن تعامل أي شعب آخر، حيث أن سوريا ، ومنذ أكثر من ثلاث سنوات، أصبحت مسرحاً لتسوية الصراعات، وساحة مناسبة لاستقطاب متشددي القاعدة وداعش وجبهة النصرة وغيرهم، واستقر غالبيتهم في شمال سوريا، وقدومهم كان من الدول الأوروبية والعربية وتركيا، المناهضة لنظام الحكم في سوريا.

كان أمر خروج متشددي العالم إلى سوريا أرض الخلافة، سيظل سهلاً وطريقة مريحة للتخلص منهم، ولكن ما لم تحسب حسابه تلك الدول هو عودتهم إلى أراضيها، مما جعل الكثير من تلك الدول، يهدد بسحب الجنسية عنهم كبريطانيا.

لذا كان على السوريين وخاصة المحسوبين على المعارضة بشقها العلماني،  أن تبرهن للعالم أن الثورة السورية بريئة من كل إرهابي وأنها ثورة عدالة وكرامة وأنهم متبرأون من إرهاب داعش والنظام. لذلك شارك السوريون المتواجدون بفرنسا في المسيرة التضامنية بباريس. ووضع غالبية السوريين المحسوبين على الثورة عبارة "أنا شارلي" بالفرنسية في صفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، في المقابل تعامل البعض، مع  الأمر وكأنه لا يعنيه، فما يجري في سوريا أكبر مما حدث في باريس مع تسجيل الإدانة للإرهاب. وهناك من أخد مواقف متطرفة سواءً من الإسلام أم من التعامل مع الحدث بتأييده.

أيضاً،  السوريون المحسوبون على النظام، كانوا يذكرون باريس بأن بشار الأسد قد حذرهم من ارتداد الأرهاب للدول الأوربية، وبأنهم يذوقون الآن ما يذوقوه السوريين منذ سنوات، وكيف أن داعش قامت بجز رقاب جنود وضباط في الجيش، تحت صمت العالم بأسره.

بالمقابل ترافقت المسيرة التضامنية الباريسية والتي شارك فيها أكثر من ٥٠ زعيماً سياسياَ من دول العالم، مع اشتداد موجة البرد الشديد والعواصف الثلجية وموت أكثر من طفل في مخيمات اللجوء السورية في البلدان المجاورة، وهذا ما جعل السوريون يشعرون بالغبن أيضاً لتجاهل مأساتهم اليومية.

بالمحصلة فإن العنف سيظل موجوداً في العالم، طالما هناك شعور بالظلم وغياب للعدالة، المترافق مع الجهل والأمية وقلة الوعي، وسيظل هناك من يستغل ثغرات النصوص الإسلامية، ويجعل منها مادة خصبة لنمو الحركات المتطرفة الدينية.

والحل في سد الذرائع على كل تلك الأسباب، وتوقف الحروب، قد تكون تلك الحلول هي استحالات، ولكنها هي ما يجب أن يكون عليه الواقع.

مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي روزنة.

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق