حجم التضحيات التي قدمها السوريون من أجل الحرية لا بد أن يجعلهم رغم هول مأساتهم يتفاعلون مع توحد الفرنسيين دفاعاً عن حرية التعبير التي استهدفها القتلة في العملية ضد مجلة "شارلي ايبدو".
ساعات فقط بعد العملية الإرهابية ضد مجلة "شارلي ايبدو" توجه عفوياً عشرات الآلاف من المواطنين الفرنسيين العاديين إلى ساحات مدنهم وعلى رأسها ساحة "ريبوبليك" (الجمهورية) في باريس وكأنهم عائلة واحدة أصيبت بفاجعة. كانت الحاجة إلى التجمع بعد الصدمة للمشاركة بالشعور العام هي الدافع الأول لهذا الخروج إلى الشوارع حيث خيم صمت وهدوء استثنائيين في أماكن تعج عادة بالحركة والضجيج. ثم جاء نوع من الارتياح بين الناس عند مشاهدة تكتل الجماهير وانطلق أول هتاف مع التصفيق "حرية للتعبير" "حرية للتعبير".
فلم يكن الاعتداء على شارلي في باريس يوم الأربعاء 7 كانون الثاني من أعنف العمليات الإرهابية التي عرفتها أوروبا أو العالم ولا الأكثر دموية أو خسارة بشرية. فدون الرجوع إلى عملية 11 سبتمبر 2001 في نيويوك تعرضت عدة عواصم أوروبية ومن بينها مدريد ولندن لتفجيرات إرهابية ارتكبها متطرفون في محطات قطار أو مترو الانفاق وأسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين العاديين. إلا أن ما يميز عملية باريس هي استهداف الارهابيين أسرة تحرير مجلة أي حرية الصحافة والتعبير، أي مقدسات الديمقراطية.
ويعتبر الفرنسيون أصحاب أول ثورة لحقوق الإنسان في العالم والتي انطلقت باطلاق سراح معتقلين من سجن الباستيل عام 1789 هذه المقدسات جوهر تاريخهم وأساس لحمتهم الوطنية. فعندما يتحركوا بالملايين يوم الأحد 11 كانون الثاني بمختلف أعمارهم وانتماءاتهم السياسية وبقيادة رئيس جمهوريتهم إلى الشوارع لتأكيد التفافهم حول المبادئ المؤسسة لمجتمعهم فربما يشجعون أيضاً باقي الشعوب على قيمة ومضمون الحرية وأبعادها.
فيستحق وعد الحرية التضحية لأنه يحمل بالإضافة إلى التمتع بكل مزاياها اليومية قوة الوحدة الوطنية والإنسانية فليستمر السوريون بالمطالبة بها وإن كان الثمن أبهظ بكثير مما يحتمل.
---------------------------
مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة