مشط رصاص لرأس السنة

مشط رصاص لرأس السنة
القصص | 31 ديسمبر 2014

الشيء الوحيد الذي لم يتغير في سوريا طوال سنوات الحرب هذه، هي عادة إطلاق الرصاص في الهواء عند كل مناسبة سواء أكانت عيداً أو خطاباً. تفريغ مخازن السلاح الفردي يغدو حالة هيستيرية في هذه المناسبات القليلة، ويضيف شبحاً جديداً لأشباح الرعب التي تخيم على السوريين في الداخل، الذين باتوا يعيشون الفرح لساعات قليلة في النهار عندما تخفت أصوات الحرب ويذهبون نحو حلمهم الوردي بوطن سالم يستطيعون المرور في طرقاته وشوارعه المختلفة دون أن يأتيهم موت مفاجئ أو اعتقال غامض. 

نوّار، شاب سوري في أواخر الثلاثينيات من عمره، هو من سكان مدينة جرمانا في ريف دمشق، يتحدث عن موعد رعب سنوي كان آخر مرة في ليلة رأس السنة الماضية (2013-2014) حيث (وكما كل سنة) اشتعلت سماء وأرض جرمانا برصاص سلاح عناصر اللجان الشعبية أو مايعرف بالدفاع الوطني، يومها أصيب العديد من الناس برصاصات عشوائية انطلقت من نفس الفوهة التي اتخذت شخصية الملاك الحارس لسنوات مضت. ثم يتابع نوار، أولئك الشبان الذين يحملون سلاحهم على أكتافهم طوال اليوم، هم نفسهم من يضيق على الناس في معيشتهم ولقمتهم، وهم نفسهم من فرّ هارباً عند أول رصاصة أطلقها مسلحو جبهة النصرة خلال الصيف الماضي في محاولتهم الغير مسبوقة لاقتحام المدينة. 

في حزيران 2014 وبالتزامن مع إعلان النظام نتائج انتخاباته التي أجراها في ذلك الوقت، امتلأت سماء دمشق واللاذقية وحمص برصاص الطيش والموت الغبي، الموت الذي أصاب العديد من الشبان السوريين المدنيين الذين تزامن عبورهم شوارع العاصمة مع نبأ إعلان نتائج الانتخابات. 

سقط العديد من المصابين والقتلى في ذلك اليوم دون أن يذكرهم الإعلام المتنكر للمأساة الإنسانية الحاصلة، تماماً كما يسقط كل يوم المزيد من الأبرياء قتلى لأسباب غير مفهومة. والآن ونحن نودع عام 2014 ونطوي صفحة أخرى من روزنامة الحرب، نستعد لليلة رأس السنة ليس للاحتفال بها، بل لنتعوذ من شياطينها ونصلي كي تمضي الساعات الأولى من العام الجديد دون أن نفقد فيها أرواحاً جديدة وأجزاء إضافية من إنسانيتنا، نرتجي هدوءاً وسلاماً، لانريد ألعاباً نارية تزين سماء مدننا وقرانا كما في باقي دول العالم، فزينة رأس السنة في سوريا أصبحت أشجاراً وجدراناً تعلق عليها صور الراحلين من حياتنا وإدراكنا خلسةً، ونجوماً في الليل تمثّل ذكرى معلقة في السماء، ذكرى أحبائنا ووطننا. في نهاية هذا العام، لانريد مشط رصاص جديد أو سلاح عجيب، هذه هي أمنيتنا الجديدة للعام الجديد.

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق