حلب وسراييفو.. دمعة الحصار في قرنين

حلب وسراييفو.. دمعة الحصار في قرنين
تحقيقات | 10 ديسمبر 2014

 لم يحضر إلى ذاكرتي وأنا أشاهد دموع أبو علاء، وهو يقطع أشجار الزيتون من حديقته المنزلية في حي الإذاعة بحلب، إلا مشهد رجل بوسني يبكي، قابع تحت الحصار الصربي لعاصمة بلاده سراييفو سنة 1994، حيث اضطر لنزع "الدمية" من يد طفلته الصغيرة، ليرمي بها إلى "المدفأة"، ويمنح النار عمراً أطول.

حينها، اشترى البوسني وقتاً إضافياً دافئاً هو وبقية عائلته، بعد أن قبعوا تحت الحصار 1400 يوم، ما أدى لموت أزيد عن ألفين من أطفالها.

أبو علاء زرع أشجار حديقته منذ قرابة 10 سنوات، واعتنى بها واستطاع أن يتحمل الظروف الصعبة، التي مرت بها حلب في السنوات الثلاث الماضية، إلا أن مولود العائلة الجديد، لا يحتمل برد الشمال السوري القارس.

آخر الحلول 

بسبب المتغيرات الجديدة، اضطر الرجل لقطع أشجاره المتعلقة بشرايين قلبه على حد وصفه، موضحاً لروزنة:" إذا أردت أن أسجل على مازوت التدفئة في مراكز الدولة، فسعر ليتر المازوت 80 ليرة، وهو غير متوفر بتاتاً في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام كما في حي الإذاعة، وبهذا يمكن أن نضطر إلى شرائه من السوق السوداء، بسعر يتراوح ما بين 250 ليرة لليتر الواحد، و 400 ليرة".

ويضيف أبو علاء ساخراً أنه ألغى فكرة التسجيل على المحروقات من المراكز الحكومية، لأنه "فوق رفع السعر سوف أنتظر لوقت طويل، ومن الممكن أن ينتهي فصل الشتاء ولا يصل الدور لاسمي، وهذا ما حصل مع كثير من المواطنين في السنوات السابقة، فالمحسوبيات تعمل عملها في هذا المجال". 

ويتابع، أنه فكر بحل قبل اللجوء لقطع أشجار منزله من أجل التدفئة، وهو الغاز، لكن الجرة منه، بلغت سعر الـ4000 ليرة مع بداية الشتاء، والحصول عليها، يسبقه معاناةٌ طويلة.

ويتساءل الرجل:" كم جرة غاز سوف أستهلك في الشتاء بهذا السعر الذي لا يتناسب مع دخلي الشهري ولا بالمصاريف المجبر على دفعها كل شهر؟ ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، فواتير الكهرباء والمياه والهاتف، والمستلزمات المدرسية للأطفال، والطعام وحليب المجفف والطبابة".

ويؤكد أبو علاء لـروزنة، أن الخيارات والحلول للحصول على وسيلة تدفئة واحدة أصبحت معدومة، خصوصاً مع ازدياد ساعات التقنين، التي قد تصل إلى 20 ساعة يومياً، وارتفاع أسعار المدافئ الكهربائية.

لائحة الموت برداً 

ومع إعلان "اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان"، الشهر الماضي عن وفاةَ أول طفلة سورية بشتاء هذا العام، في مخيمات اللاجئين في عرسال من شدة البرد، تكون لائحة ضحايا الموت نتيجة البرد قد بدأت.

يشار إلى أنه منذ الأشهر الثلاثة الأخيرة،  فُقدت اسطوانات الغاز المنزلي من حلب وريفها، وإن وجدت فإن سعرها يتجاوز الـ 3000 ليرة سورية، بالإضافة إلى بيع ليتر المازوت الواحد في السوق السوداء بـ250 ليرة سورية.

وفي الشهر الماضي، رفعت "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" التابعة للنظام، سعر ليتر المازوت من 60 ليرة سورية إلى 80، وسعر ليتر البنزين من 120 ليرة إلى 140، غير آبهة بأبو علاء و10 مليون سوري بحاجة إلى المساعدات العاجلة، بحسب تقرير الأمم المتحدة الأخير.

مدينة حلب، التي يعود موضوع تنويرها بالكهرباء إلى عهد العثمانيين، سنة 1911 يموت اليوم أبناؤها من نقص حاد بمصادر الطاقة.

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق