أوباما.. ليس بالإمكان أفضل مما كان!

أوباما.. ليس بالإمكان أفضل مما كان!
القصص | 04 ديسمبر 2014

بانزعاج يترك مقعده، يسير لبضع خطوات في مكتبه البيضاوي، يتوقف أمام إحدى النوافذ، يتأمل حديقة البيت الأبيض، يشغله الداخل الأمريكي المعقد بمشكلاته وعثراته، ويزعجه الخارج الدولي بقضاياه وأزماته التي لا تنتهي، ثماني سنوات ثقيلة قضاها سلفه "جورج بوش الابن" في هذا البيت فأشعل العالم بالحروب والأزمات، تمزقت صورة أمريكا في العالم بأسره وأُحرِقَ العلم الأمريكي في كل مكان، ها هو يقضي ثمان سنوات أخرى، بدأها بإزالة تراكمات سلفه، لكن يبدو أن بوصلته قد انحرفت وأن  نهاية مدته الثانية ستكون على نفس خطى عهد بوش!

عندما ظهر أوباما لأول مرة كان يختصر في شخصيته كل عناصر التغيير التي دغدغت مخيلة الناخب الأمريكي وجذبت عقلية المتابع الأجنبي للانتخابات الأمريكية، فهو شاب، أسود، اتخذ من الأمل شعاراً لحملته الانتخابية في وقت كان الأمريكيون جميعاً فاقدين للأمل، ظهر كمرشح القطيعة مع عهد بوش الابن، و بدا مؤهلاً لفتح صفحة جديدة أمام العالم الذي أنهكته الحروب وانعكاساتها النفسية والاقتصادية السيئة.

لكن عبء التحديات والمشكلات كان أكبر مما توقع، ولا يمكن حل الأزمات بالتصريحات، صحيح أن أوباما قد حقق ما وعد به من انسحاب فوري من العراق، لكنه ترك العراق كمستنقع يعج بالأزمات وتربة صالحة للجماعات الإرهابية، ظل موجوداً في أفغانستان وباكستان واليمن، ليس بالضرورة بالرجال والعتاد على الأرض، لكن في الجو بطائراته التي بدون طيار، قُتِلَ "أسامة بن لادن"، لكن القاعدة صارت أكثر توسعاً وانتشاراً، وباتت ضرباتها مؤثرة وغير متوقعة، لقد تخلصوا من جسده لكن أفكاره مازالت باقية.
وإذا كانت تلك وعود قد تحققت، حتى وإن كانت نتائجها وخيمة أو بائسة، فإن ثمة أخرى كثيرة مازالت مُعَلّقة، يشعر بالضجر كلما تذكرها، القضية الفلسطينية مازالت تراوح مكانها، الاستيطان مستمر والغارات الإسرائيلية متواصلة.. فأين السلام الذي نال عليه نوبل؟!، معتقل غوانتانامو مازال مفتوحاً، العداء ضد الإسلام مازال مستمراً على عكس كلماته البراقة حول الإسلام في خطاب جامعة القاهرة، الدب الروسي التهم جزءاً من أوكرانيا، إيران مازالت تسير في طريق إنتاجها للسلاح النووي ومازالت تنفث في نار الفتنة في المنطقة وتثير القلاقل في العراق وسوريا، والنظام السوري مازال يقتل الأبرياء، صحيح أنه سلّمَ ترسانته الكيميائية.. لكن القتل والتخريب مازال مستمراً.

يدقق النظر عبر النافذة.. يشعر بالأسى لوعوده الانتخابية التي تشبه كروت قذفها في الهواء ولم ينفذ منها شيء، يبرر لنفسه ذلك بأن واقع السياسة الأمريكية قائم على مبدأ يجب احترامه يُسمى "المصالح "، الأمريكان يجيدون لعبة التنصل من وعودهم إذا اصطدمت مع مصالحهم، فهي التي تفرض علي رئيسها سياسته وليست المبادئ، فالمبادئ للحديث والمصالح للتنفيذ؛ "أوباما" رئيس أمريكي، و"بوش" كان رئيساً أمريكياً، والثوم لا يفقد رائحته حتى لو غُسِلَ بماء الورد!
 قد يكون "أوباما" مختلف عن "بوش" في التصريحات، لكن في النهاية ــ وبشكل أو بآخرــ يجد نفسه ينتهج أسلوباً شديد القرابة من سابقه، تبنى "بوش" أسلوب الحروب الإستباقية، بدأ حرباً كونية مع تنظيم القاعدة ودمر أفغانستان وألحق الضرر بجارتها باكستان، بدون أدلة واضحة قرر التخلص من صدام حسين، فتم اختلاق تهمة امتلاكه لأسلحة دمار شامل، وبعد تدمير العراق وعدم العثور على الأسلحة، كان لابد من إيجاد سبب مقنع للعالم لتبرير ما حدث، فكانت حملة "بوش" لزرع الديمقراطية في الشرق الأوسط وحول العالم هي المبرر لأي عدوان أمريكي.

يسير أوباما في نفس طريق سلفه الآن، لكن بدلاً من مصطلح بوش "الحروب الإستباقية".. فلتكن "الضربات الوقائية"، وبدلاً من الحرب الكونية على الإرهاب، سيحارب الإرهاب في بقاع محددة وطبقاً لآليات القوة ومتطلبات المصالح الأمريكية، فمثلاً أوباما لم تقنعه كل أفعال بشار الأسد في سوريا كي يوجه ضربة عسكرية لنظامه لتكف الضرر الذي يلحق بالشعب السوري، في حين أنه أنتفض فجأة لمحاربة "داعش" في العراق وسوريا لمجرد أن مقاتلي داعش قد أعدموا بعض مواطنيه بصورة ظاهرة، فماذا عن المئات الذين يقتلهم بشار يومياً وتملأ صورهم الشاشات والصحف؟!

الآن يوشك أوباما أن يسجل اسمه في دفاتر الحروب الأمريكية، سواء جُر إليها مرغماً أو دفعته المصلحة الأمريكية إليها، سيجد نفسه أمام مفارقة صعبة، إذ كيف للرئيس الحاصل على نوبل للسلام أن يشعل فتيل حرباً، أي حرب، وهو الذي عارض الحروب في خطبه العصماء طوال برامجه الانتخابية؟!، يغمض أوباما عينيه، يتذكر قصص الزعماء الراحلين الذين أحبهم كثيراً، يقارن بين حالهم وحاله الآن، كيف له وهو المغرم بأفكار غاندي ومارتن لوثر كينج ومانديلا وابراهام لنكولن أن يقود جيشه للدخول في مستنقع لا يعرف نهايته؟!، أوباما كان بارعاً عندما بادر بإطلاق حملته الرئاسية من أمام منزل لنكولن التاريخي، لكن يبدو أنه سينهى فترته الرئاسية الثانية من أمام منزل جورج بوش الابن!

مازال ينظر عبر نافذة المكتب، استغرق طويلاً في خياله المتعب والمثقل بالأزمات، تحوم في ذاكرته كلمات خصمه الفنزويلي الراحل "هوغو تشافيز" عندما وصف "هيلاري كلينتون" بأنها هي النسخة الشقراء لــ"كونداليزا رايس"، يتذكر بمرارة.. ويحاول إقناع نفسه بأنه ــ هو ــ ليس النسخة السوداء لجورج بوش الابن!


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق