تتجه، في هذه الفترة، أنظار الساسة والمحللين إلى ما سوف تؤول إليه المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، حول الملف النووي الإيراني، لما ذلك الموضوع من أهمية، ولأن أي اتفاق سيتم بينهما، سوف يحدد الخطوط العريضة لاستراتيجة إيران الجديدة بعده، وبالتالي طبعاً سينعكس بشكل مباشر على كل الشرق الأوسط، الذي لا تخلوا معظم بلدانه من أذرعها. وسنعرف، ربما، في وقت لاحق ما هي الأوراق التي تم استخدامها، وما هي التنازلات التي قدمها كل من الطرفين في سبيل التوصل إلى أرضية مشتركة للتفاوض. ومن ثم، كيف سيكون شكل الخريطة الجديدة، وإلى صالح أية قوة إقليمية ستميل كفة النفوذ والسؤدد، في هذا الشرق العربي المغلوب على أمره.
أشارت تصريحات المسؤولين، بعد الجولات الأولية الدائرة في مسقط، بين كيري وظريف وآشتون، إلى حصول تقدم بطيء، ووجود ثغرات في بعض المسائل، مع الإشارة والتلميح إلى أن هذا الاتفاق لا بد أن يتم. تمتلك إيران أوراق عدة على الطاولة لتفاوض بها، فهي لن تتنازل في نهاية الأمر عن ملفها النووي مجاناً ودون الحصول على مقابل يعوضها عن خسارة هذا الحلم الذي سعت طويلاً لتحقيقه. لدى إيران مشروع في السيطرة على الشرق الأوسط، ولها أدواتها في تنفيذ هذا المشروع، وتيارات سياسة وميليشيات مسلحة تابعة لها بشكل أو بآخر، مهما اختلفت التسميات، وتظاهرت راياتها الصغيرة بالذوبان تحت رايات الأوطان التي تحتويها. من نظام الأسد في سوريا، إلى حزب الله في لبنان، وحكومة المالكي سابقاً وجيش المهدي وميليشات مقتدى الصدر في العراق، ثم الحوثيين في اليمن...إلخ.
ومن جهة أخرى، يجلس الأمريكيون على هذه الطاولة وهم في حالة من التربّص لإحراز تقدم ملموس في هذا الملف، لكي يغطي به أوباما، الذي كان ضعيفاً وغير مكترث بما يجري في هذه المنطقة، على الخسارة في الانتخابات النصفية، ولكي يقول أنني لم أكن مكتوف الأيدي، وها أنذا أجد حلّا للملف النووي، متجاهلاً أنه قد ترك المنطقة تذهب بأهلها إلى الهاوية.
كانت تدور في الكواليس بعض الأمور، لا نستطيع أن نفهم بدونها أهمية هذا الاتفاق بالنسبة لأوباما، وقد كشفتها رسالة أوباما إلى المرشد الأعلى خامنئي، يشير فيها إلى أهمية تعاون البلدين في عملية القضاء على داعش، واللافت أنه لم يكن هناك رد من الطرف الآخر على هذه الرسالة، وتم تجاهلها مثل الرسائل الثلاث السابقة لها، بحسب مقال في جريدة كيهان الإيرانية، وإحداها في 2009 طلبت التعاون في فتح صفحة جديدة من العلاقات. والثانية في شباط 2013، إبان المفاوضات النووية، حيث قال أوباما فيها للمرشد انه علی استعداد للتوصل لاتفاق. أما الرسالة الثالثة فكانت في الشهر الماضي، حيث تطرقت إلی تعثر التدخل العسكري في العراق بسبب معارضة حلفاء إيران هناك، وموقفها إزاء شروط خامنئي للتفاوض على الملف النووي، واتضح فيها حاجة واشنطن لمساعدة إيران في انتشال السياسة الخارجية الأميركية من الطريق المسدود الذي بلغته في المنطقة.
يتضح من خلال هذا الموقف الأمريكي الضعيف والمهلهل، والاستماتة لكسب رضا الإيرانيين وحضهم على التعاون، والذي يقابله من ناحية إيران هدوء العارفين بحجم ما يمكن الحصول عليه من الشخص الملحاح. فهي غير مستعجلة على شيء، وتعرف أن وقت أوباما ضيق، خصوصاً في خضم الانتخابات النصفية للكونغرس، وتعرف أنه لا يرى غير الملف النووي الذي تقوم بالتلويح به أمام عينيه، كما تلوح الساحرة بمنديلها خاطفةً الأبصار، بينما تضع يدها الأخرى على بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. على أية حال، ليس هناك ما هو واضح وجلي في كل ما يحدث الآن في هذا الشرق الأوسط، سوى أن حضيض العرب لا قاع له.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي راديو روزنة