منذ خروج بعض المناطق في سوريا عن سيطرة النظام، انتشرت فيها محاكم بديلة للقضاء، عُرفتْ بالمحاكم الثورية، اعتمدتْ على القانون العربي الموحد، الموقع من مجلس وزراء العدل العرب لعام 1996.
كان آخر تجارب تلك المحاكم، "مجلس القضاء الموحد في حلب"، الذي أعلنَ ايقاف عمله في 14 من كانون الأول عام 2013.
انتهت حقبة القضاء الثوري، وباتت الهيئات الشرعية هي الحاكم الآن في غالبية المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، فهل فشل القضاء الثوري كانَ السببَ في ظهورِها؟
طلال حوشان، أولُ قاضِ أعلنَ انشقاقَه عن دائرةِ القضاءِ السوري منذ بدايةِ الثورة، يتحدث لروزنة، عن أسباب فشل القضاء الثوري، والفراغ الذي شكله ليظهر فيما بعد القضاء الشرعي.
موضحاً، أن فشل القضاء الثوري، ساهمت به قلة القضاة المنشقين، وانعدام الدعم للمجلس القضائي السوري الحر، أول هيئة قضائية تشكلت عقب انشقاق أولى القضاة عن دائرة القضاء السوري .
سلطة الفصيل العسكري الحاكم
القضاء الشرعي، ليس أفضل حالاً من حيث البنية المؤسساتية عن نظيره الثوري، فلا هيكليةَ موحدةْ تجمعه وترأسه، وتفسر اختلاف الأحكام من هيئة شرعية لأخرى ومن قاضٍ لآخر، وتعتمد الأحكامُ على البنية الفكرية للفصيل العسكري، المسيطر على المنطقة وانتماءاته.
في مدينة حلب، أُعلِنَ عن تشكيلِ الهيئةِ الشرعية منتصف كانون الأول عام 2012، باتفاق فصائل المدينة، ثم سرعانَ ما انفصلت جبهة النصرة التابعة للقاعدة، عن الهيئة، وتبعها انفصال تنظيمِ داعش، وتشكيلُ كلّ منها هيئات شرعية تحكم بطريقتها الخاصة، المناطق التي تسيطر عليها، إضافةً للهيئات الشرعية الملحقة بفصائل جيش المجاهدين وأحرار الشام .
ولا يعتبر القاضي الشرعي أبو محمد، من داريا، ما كانت تعتمده الكتائب العسكرية قضاءً، ففي الكثير من الأحيان، تصدر الفتاوي دون رؤية المتهم، بحسب الرجل.
ويضيف أبو محمد، أن هناك فرق بين الفتوى وصدور حكم القضاء، فالفتوى كالقانون، وتطبيقها هو الحكم، معتبراً انتشار القضاء الشرعي، بداية لوجود القضاء في زمن الثورة، ويفسر أسباب الاختلاف في الأحكام لتطبيق قوانين عرفية، واجتهادات تختلف من منطقة لأخرى.
مجلس القضاء الموحد في المنتصف
حاولَ مجلسُ القضاءِ الموحدِ في حلب، الوقوفَ بمنتصف المسافةِ بينَ القضائين الشرعيِ والثوريْ، بإيقاف بعضِ الموادِ التي تخالفُ الشريعةَ الإسلامية، واعتمادِه على شرعيين في هيكلته القضائية.
لكن ذلك لم يساعده بالاستمرار في العملِ فتوقف، بعد اقتحام مركزِه من قبلِ تجمعِ "فاستقم كما أمرت"، وكان قد تعرض قبلها عدد من القضاة للضرب والاعتقال، من قبل عناصر الهيئة الشرعية بقيادة جبهة النصرة .
القاضي طلال حوشان، يرى سبب فشل القضاء الموحد بقلة دعم المجلس معنوياً ومادياً من مؤسساتِ المعارضة، المجلس الوطني والائتلاف، في المرتبة الأولى، كما أنه لا يمكن الاعتماد على أي قانون قضائي في الحكم، فالقوانين تحتاح لسلطة تشريعة تسن القوانين ( أي الشعب).
ويضيف، أن هذا "من غير الممكن تطبيقه حتى سقوط النظام، وجل ما حاولوا اتخاذه تطبيق القانون العربي الموحد مع إزالة المواد التي تخالف الشريعة الإسلامية، لكنهم لم يتوصلوا لاتفاق مع الشرعيين لإكمال عمل المجلس".
الحدود لا يمكن تطبيقها حالياً
ظهرت عدة فيديوهات وصور لتطبيق حدود الزنا والسرقة، بثها تنظيم داعش في المناطقِ التي يسيطر عليها، آخرها فيديو أثار ضجة كبيرة، لرجم إمرأة حتى الموت في ريف حماه.
وبحسب القاضي الشرعي أبو محمد، لا يمكنُ تطبيقُ الحدود الشرعية الآن في هذه الظروف، فالقانون وحده لا يبني المجتمع، كما أن للقاضي الشرعي مواصفات معينة، لا تقتصرُ على الدراية بعلوم الحديث، والتفسير دون الدراية بعلوم الفقه.
ويقول أبو محمد، "الدليل على ذلك أن آياتْ الأحكام من أواخر الآيات التي صدرت، لذلك هناك حاجة ماسة لدراسة الواقع والتدرج في تطبيق الشريعة، ووجود ولي الأمر المخول بتطبيق الشريعة، والموازنة بين أضرار تطبيق الحقوق وماستؤول إليه من عواقب".
الحاجة لقضاء حضاري
أبو يوسف محامٍ من درعا، يرى أنّ القضاء ليس عمليةَ إصدار حُكم، وإنما يحتاج لعمل يعتمد على علومِ الإدارة في هيكلة القضاء.
ويؤكد أن انتماءه للإسلام ورغبَتَه بتحكيم شريعته، أمر لا جدالَ فيه، لكنَّ الشرعَ الإسلاميَ يدعو للحضارة والاستفادةِ من أهلِ الخبرة والاختصاصِ، في المجال القضائي.
التمهيد للسيطرة عبر دور القضاء الشرعي
يتهم مجيد محمد، الناشط الكردي، جهات في المعارضة السورية، باستخدام القضاء الشرعي كتمهيد للشعب السوري، وتعويده على هذه الحالة، التي فرضت عليه ولم تؤخذ مشورته فيها.
ويعتبر الناشط، أن هذه الحالة المنتشرة في مناطق المعارضة، بالاعتماد على القضاء الشرعي، حالة غير طبيعية، تهدف للسيطرة على الأرض، عبر تلك الهيئات الشرعية.
الشرعي أم المدني، أي قضاء سيُعتَمَدُ في سوريا المستقبل؟!، لكن السؤال الأهم من ذلك، أي قضاء سيحفظ حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ويحمي بُنيتَه الاجتماعيةْ من التفكك؟!