قتلى الساحل.. صور على أعمدة الكهرباء

قتلى الساحل.. صور على أعمدة الكهرباء
تحقيقات | 17 نوفمبر 2014

يقول بشير من ريف طرطوس: "لن ألتحق بالاحتياط، فقد أُصبح مجرد صورة تعلق على عمود الكهرباء".

يعبّر بشير لروزنة، عمّا يجول في خاطر الكثيرين، فلو كان عدد القتلى أو المصابين محدوداً، لبقوا في ذاكرة الناس، أما وقد تجاوز الرقم عشرات الآلاف، فإنّهم تحولوا لمجرد ذكرى، أو صور تعلق تحت خطوط الشبكة الكهربائية، بحسب وصفه.

 ويتابع مازحاً:" لا أريد أن تشكل صورتي إعاقة لعمال الكهرباء أو الهاتف، وتمنعهم من الصعود على الأعمدة".

يقول محمود، عامل طوارئ كهرباء في طرطوس:" لا يمكن الصعود على عمود الكهرباء بوجود صور قتلى الجيش، فقد تعرضت للانزلاق عدة مرات، بعض الأسر تفضل أن تكون صورة فقيدهم كبيرة، بحيث تغطي مساحة كبيرة من العمود، ولا يمكن الصعود عليه إلّا باستخدام الرافعة".

مضيفاً أنه بسبب قلة عدد الروافع التي تخدم مراكز الطوارئ، يضطر العمال للاستعانة بالسلالم، ويعدّ العمل عليها خطيراً، مما يسبب السقوط والتعرض للإصابة أو الموت. 

ويزيد العامل على كلامه ساخراً:" سأوصي أهلي إذا ما قتلت بسبب الانزلاق والسقوط، ألّا يعلقوا صورتي على عمود كهرباء، كي لا أتسبب بحادثة أخرى".

البلديات عاجزة عن منع تعليق الصور

يعتبر إلصاق إعلان ما، على جدار، أو على عمود كهرباء دون الرجوع إلى البلدية، مخالفة قانونية، ويتعرض المخالف لغرامة مادية، أو يجبر على إزالة إعلانه. 

لكن ما من أحد استأذن البلدية لتعليق صورة قتيله، وفي الوقت ذاته، ما من مخالفة حررت بحق أيّ منهم.

يقول رئيس بلدية إحدى قرى طرطوس:" يوجد في قريتنا حوالي خمسين شهيداً، وقد علقت صور أربعين منهم على أعمدة الكهرباء، أهالي الشهداء يعمدون إلى إنارتها ليلاً، مما يزيد فاتورة الكهرباء الواجب على البلدية تسديدها".

يعتبر رئيس البلدية، أنّ هؤلاء الأهالي، قدموا أولادهم فداءً للوطن، ولذلك، ليس من الوارد منعهم من تعليق صور أبنائهم، أينما شاؤوا.

أزمة الكهرباء الخانقة

يعاني سكان الساحل كباقي السوريين، من أزمة كهرباء خانقة، فقد يصل عدد ساعات انقطاع الكهرباء إلى عشرين ساعة يومياً، وفي الساعات الأربع المتبقية، يجهد عمال الطوارئ لضمان استمرار التغذية إلى المشتركين. 

يوضح أحد المهندسين في شركة كهرباء طرطوس، أن سبب الانقطاع الرئيسي، يعود إلى شح الموارد النفطية التي تغذي العنفات في محطات التوليد، يضاف إليها التعديات على الشبكة وسرقة الكهرباء، فضلاً عن قلة المعدات الكهربائية، كالمحولات وخطوط نقل الطاقة اللازمة للصيانة.

ويشرح الرجل، أنه رغم سعي حكومة النظام، لإبقاء المناطق الموالية خارج الأزمات التي تعيشها باقي الأراضي بسورية، إلّا أنّ أزمة الكهرباء، أكبر من أن تقدر الحكومة على حصرها بأماكن دون أخرى، مضيفاً:" إذا كانت السلطة عاجزة عن الحفاظ على حياة العامل، بمنع تعليق صور القتلى على أعمدة الكهرباء، فإنها لن تكون قادرة على تأمين الكهرباء لمواليها".

ويختم المهندس حديثه:" يقال إنّ إشعال شمعة أفضل من لعن الظلام، ولكننا في سوريا، نحتاج أكثر من ذلك بكثير، فمن أشعل سوريا في حربها، فقد أغرقنا في ظلام دامس، لن يفيد معه إشعال كل شموع العالم".

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق