منذ أن انتهت الورشة المخصصة لإصلاح الوضع الإعلامي السوري، والتي انعقدت في اسطنبول الشهر الماضي، وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات، تتوالى الانتقادات لها، ورغم أن أغلب من هاجم الورشة، فعل ذلك في ساعاتها الأولى، دون أن يعرف ما سينتج عنها، إلا أن الانتقادات استمرت بعد إعلان الورشة التي شارك فيها عدد من الإعلاميين السوريين المحترفين، توصياتها التي ستنقل (في حال تنفيذها) إعلام المعارضة السورية من مستواه الحالي إلى مستوى أفضل، وأكثر احترافية، وأبلغ تعبيراً عن أهداف الثورة السورية.
باستعراض سريع للمنتقدين يمكن تقسيم فئاتهم إلى جهتين: الجهة الأولى هم ناشطون إعلاميون اعتادوا أن يهاجموا الائتلاف بسبب تقصيره في دعمهم، واعتبروا أن استبعادهم عن الورشة هو استكمال لحلقات تهميشهم، وعدم الاهتمام بهم وبمعاناتهم. أما الجهة الثانية من المنتقدين فهم مجموعة من القائمين على جرائد "الإعلام البديل" الذين سبق لهم أن أرسلوا بمطالب محددة إلى الائتلاف، ولكن هذه المطالب (بحسب تصريحاتهم) طويت واستقرت في أدراج المكاتب دون أن تناقش معهم، وقد كرس استبعادهم عن الورشة فرضية تعمد الائتلاف تجاهلهم، التي عبروا عنها في بيان نشروه في خمس صحف متحالفة، مهاجمين في الوقت ذاته الإعلاميين المنشقين الذين شاركوا في الورشة دون سبب ظاهرٍ سوى مشاركتهم في الورشة.
أيُ متابع للحالة التي نتجت عن انعقاد الورشة سيلاحظ وبشكل مباشر أن أحداً لم يلتفت إلى توصياتها،وأن أحداً لم يقم بمناقشتها، فربما لم يكلف هؤلاء أنفسهم بالاطلاع عليها، وإذا توقفنا عند هذه النقطة سنرى أن أغلب ردود الفعل تركزت على قصة حضور الورشة، وحول توصيف المشاركين فيها بـ"الخبراء"، والسخرية من العبارة، مع العلم أن أياً من الذين حضروا لم يقدم نفسه ضمن هذه الصيغة، التي نشرها المكتب الإعلامي للائتلاف دون علم أو موافقة المشاركين.
وفي تفسير الأمر لا يعجز أي إعلامي عن قراءة الدوافع التي حكمت ردود الفعل، فتقصير الائتلاف عن دعم هذه الوسائل الإعلامية قد أورثها رفضاً لأي شيء يقوم به، وفي الوقت ذاته فإن عملها السابق وحيدة وبدعم كانت تؤمنه بطرقها الخاصة، وبجهود القائمين عليها، قد جعلها ترى نفسها وحيدةً في المشهد، وصاحبة مظلومية، لن ترى أي شيء يحدث إلا من خلال هذا الحال.
بعض هذه الوسائل الإعلامية كثيراً ما ادعت أنها لم تمول من قبل الائتلاف، إلا أن الوقائع تقول بأن هناك العديد منها قد تم تمويله، ولكن عدم قيام الائتلاف بإعلان خطة دعم واضحة وشفافة، جعله دائماً في موقع المتهم بالتقصير، وفي الوقت نفسه فإن غياب المعايير الواضحة لقصة الدعم، سيجعل دعمه موضع الشك والاتهام بقيامه على العلاقات والمحسوبيات.
كل ما سبق ذكره، وربما كل ما تم تداوله بعد انعقاد الورشة لا يمكن تجاهله، فهو حقيقي في نسبةٍ كبيرة منه، ولكن ألا يجدر بمن يصرخ ليل نهار أن يصمت قليلاً ليسمع كلام الآخرين؟ ألا تستحق الجهود التي بذلت طيلة ثلاثة أيام من أجل الخروج بالتوصيات الإصلاحية، أن تناقش كي يتم إغنائها، طالما أنها قد صنعت من أجل كل الإعلام السوري الجديد؟
أحد القائمين على مؤسسة إعلامية ثورية سمع بأن الورشة قد عرضت موضوع ميثاق الشرف الإعلامي السوري، فأعلن أن مؤسسته لن توقع على ميثاق شرف لم تشارك في صياغته..! وبذات منطق هذا الصحفي أعلن صحفيون آخرون ردود أفعال مشابهة، رغم أن الورشة لم تقر ولم تطرح أي ميثاق للتوقيع، بل أوصت بالعمل على إنجاز هكذا وثيقة.
بالتأكيد لا أحد يلوم أحد في المواقف السريعة والمتعجلة، من مشروع تم طرحه، ولم يصل بتفاصيله للجميع، ولكن الجميع سيكون ملاماً إن لم يتدارك واقع حال الإعلام البديل، وإن لم تتم مساندة مشروع الإصلاح الذي أقر في التوصيات، والذي يبدأ أولاً بهيئة وطنية للإعلام تمسك بزمام المبادرة في عملية الإصلاح، ولا ينتهي بمشاريع إنشاء وسائل إعلامية احترافية كقناة تلفزيونية وإذاعة وصحيفة يومية، مروراً بدعم الناشطين الإعلاميين على الأرض وتأمين سبل الحماية لهم، من استغلال الوسائل الإعلامية التي تستثمر جهودهم، دون أن تكفل لهم تأميناً أو علاجاً أو حمايةً..
حالة الشخصنة التي حكمت ردود الفعل على الورشة، لم تكن على مستوى ما يتحدث به المنتقدون في صحفهم ووسائلهم الإعلامية دائماً من أن "الوطن فوق الجميع"، ولن تكون في حال استمرت، مؤشراً على حالة صحية يعيشها الإعلام البديل، ولهذا وجب التنبيه.