تشكل شجرة التفاح دخلاً رئيسياً لقسم كبير من أبناء السويداء، إذ يصل عدد أشجار التفاح إلى أكثر من ثلاثة ملايين شجرة، تغطي مساحة 140هكتاراً.
لكن، موسم هذا العام، أتى نقمة على فلاحي المدينة، الذين ينتظرون قطف ثمار موسمهم، وجني نتائج طوال العام، فما زالت المحاصيل على الشجر دون قطاف، رغم قدوم الشتاء، الذي يهدد بإتلافها.
الغلاء جراد الموسم
تدهور وضع الليرة السورية، وغلاء الأسعار، وقفا عائقاً بوجه الفلاح، حيث ازدادت تكاليف الانتاج الزراعي بشكل جنوني، بدءاً من ازدياد أسعار عبوات المبيدات الحشرية للأشجار، إلى السماد، وصولاً إلى ارتفاع أجرة الأيدي العاملة خبيرة بالقطف.
يقول "أبو ماجد" 48 عاماً، لروزنة: "أنا فلاح ابن فلاح، تربيت بين أشجار التفاح، لكن هذا الموسم كان من أقسى المواسم، كنا ننتظر طوال العام قدوم موسم القطاف لنجني أرباحنا، اليوم يصيبنا الهم عند موسم القطاف، فنوعية التفاح لم تعد كما هي في الماضي بسبب عوامل المناخ وقلة الأمطار".
ويتابع أبو ماجد: "الغلاء هو آفة العصر لكل المواسم ، إنه الجراد الذي يأكل الأخضر واليابس ولا تنفع معه المبيدات، بعد عناء عام كامل من التكاليف، في النهاية يقع الفلاح في العجز، فأسعار المبيدات ارتفعت بمعدل أربع أضعاف عما كانت عليه في السابق".
وبحسب الرجل، فإن تكاليف اليد العاملة من فلاحة وقطف وتوضيب أيضاً ارتفعت، حتى تكاليف التخزين والتبريد تضاعفت ثلاث مرات، للطن الواحد.
موضحاً: "كنا من قبل نخزن التفاح وندفع مبلغ 100 ليرة على كل صندوق، أما الآن ندفع مبلغ 300 ليرة لكل صندوق، ومع انقطاع تلجأ البرادات إلى المازوت الذي ارتفعت أسعاره، وأصبح نادراً هذه الأيام، كل هذه التكاليف تأخذ من جيب الفلاح، والجميع يأخذ منه".
ما زال محصولنا على الشجر
ارتفاع تكاليف زراعة التفاح وقطفه، لم تنعكس زيادة على جيب الفلاح، حيث حددت مديرية الزراعة في السويداء، سعر الكيلو غرام من التفاح النخب أول، ب 63 ليرة سورية، بينما يقدر الفلاح أن سعر كيلو التفاح وهو على الشجرة، بحوالي 75 ليرة، ويُباع في الأسواق بالمفرق، بنحو دولار واحد، أي اكثر من 160 ليرة.
رغم بلوغ إنتاج السويداء من التفاح 49 ألف طن هذا العام، إلا أن مؤسسة الخزن والتسويق، لن تستجر أكثر من 1325 طن فقط، في حين ستتكدس كميات الإنتاج المتبقية لدى المزارعين، الذين لا يملكون في نهاية المطاف، إلا الرضوخ إلى "ضمّانة" التفاح، وهم تجار الجملة، الذين يشترون التفاح وهو على الشجر، ولديهم الطرق والقدرة على تسويق التفاح وتصديره.
معن، 43 عاماً، وهو مهندس زراعي لديه مشروع في سفوح جبال السويداء، يتحدث حول ذلك:" يأتي الضمانة إلينا ويسعرون كيلو التفاح بأسعار زهيدة، لا ترد ثمن التكلفة، واذا أردنا بيع محصولنا عن طريق مديرية الزراعة، فالسعر الذي وضعته زهيد، ومع ذلك لا تأخذ من كل الفلاحين، وهنا تشتغل الواسطة".
يتابع معن أنه قرر وعدد من الفلاحين أن يتشاركوا على استئجار براد للتخزين، لكن جميع برادات المحافظة تم استئجارها، من التجار منذ بداية الصيف، بالتالي، ما زال المحصول على الأشجار.
موضحاً: "أمامنا خياران إما أن نبيعه بخسارة، أو نتركه على الشجر عرضة للتلف"، ويختم حديثه: "قد أترك محصولي على الشجر تأكله العصافير والحشرات ولا أبيعه بهذه الأسعار".
صعوبات النقل
حاول عدد من الفلاحين، قطف محاصيلهم، وتسويقها مباشرة إلى العاصمة دمشق حيث يتم توضيبها وتصديرها من هناك، لكنهم اصطدموا بحواجز النظام.
أبومعروف 51 عاماً يقول إنه حاول وعدد من الفلاحين، كسر احتكار التجار، وقطف التفاح وتسويقه بأنفسهم، لكن واجهتهم صعوبة في النقل إلى دمشق، فمعظم الشاحنات متعاقدة مع تجار، ولا تعمل إلا لهم.
ويتابع: "مع ذلك وجدنا من يذهب إلى هناك واتفقنا مع تاجر من سوق الهال، يشتري الكيلو النخب الأول ب 90 ليرة، ولكن واجهتنا مشكلة أكبر بكثير متمثلة بالحواجز، حيث أصبح الضابط المسؤول عن الحاجز يأمر سائقي الشاحنات، بإنزال الحمل لتفتيشه، أو أن يصالح عليه أي يدفع رشوة للضابط تقدر ب 50 ألف ليرة للحاجز، وبهذا يكون المربح الذي نسعى للحصول عليه، قد ذهب للحواجز".
يشير"أبو معروف" إلى أنه: "قبل الحرب كان يأتي إلينا التجار من مختلف المحافظات السورية، لشراء تفاح السويداء، لذلك كان الفلاح أمام عدة خيارات، أما الآن يضطر الفلاح الخضوع لشروط التجار هنا، أو يبقى محصوله على الشجر وليمة للعصافير والديدان".
من المستفيد؟
يُباع التفاح السوري في مصر بما يعادل 2 دولار، في حين يتم شراؤه من الفلاح بحوالي ثلث دولار، وتسعى حكومة النظام، إلى التضييق على الفلاح كي لا يسوق بضاعته بنفسه، إلا عن طريق الضمانة أو التجار الكبار الذي يصدرونه إلى الخارج ويبيعونه بالعملة الصعبة التي تحتاجها الدولة، ليستفيد الجميع ويبقى الفلاح الخاسر الأكبر.