في حافلة ليلية، وسط العاصمة الايطالية روما، أجابني أحمد بلكنة مصرية شديدة الوضوح: "أنا من سوريا"، تكلم وفي عينيه الكثير من الخشية والترجي، كي لا أفضح أمره.
كان الشاب دافعاً قوياً لأبدأ رحلة بحث حقيقية، هل هناك حقاً من يدعي كونه سورياً، ليحصل على حق اللجوء في دول أوروبا؟
وصل أحمد إلى ايطاليا بحراً كغيره، ومن هناك ابتدأ بتقمص دور اللاجئ الهارب من ويلات الحرب في حلب، الباحث عن الأمان، بعيداً عن أصوات القصف والاشتباكات اليومية، حتى وصل إلى السويد.
تبدو القصة سورية بامتياز، يروي مشاهد مريعة عن الجثث والقصف، ويحكي قصصاً، لا تختلف فعلياً عما يمكن أن يرويه، كل من سمع عن الحرب أو عاينها.
قدم المصري روايته تلك للسلطات السويدية، وكاد أن يحصل على حق اللجوء، لولا أن اتفاقية دبلن، أعادته إلى أيطاليا.
قصص متنوعة
في العاصمة الدانماركية كوبنهاجن، التقت روزنة بإلهام في مخيم لللاجئين، فتاة في ربيعها العشرين على أكبر تقدير، تتحدث بلهجة مغربية واضحة لا يمكن إخفاؤها، هي تعلم ذلك جيداً، فتحاول الإجابة بكلمتين أو ثلاث لا أكثر.
تحدثت الشابة عن خروجها من مخيم اليرموك، بعد أن اشتدت الحرب هناك بين فصائل لا تعرفها، ولا تعرف إذا كان النظام، طرفاً فيها أو لا، ولكن يبدو أنها لم تدرس روايتها جيداً، فعند سؤالها عن طريقة خروجها من المخيم، منذ حوالي الستة أشهر، حيث حصار اليرموك في أشده، تجيب أنها استقلت المواصلات العامة بشكل عادي، دون أن يتعرض لها أي حاجز عسكري أو ما شابه، هنا يصبح اكتشاف إلهام أمراً سهلاً.
أما أبو العبد، فكان أوضحاً، رجل خمسيني من جبل لبنان، يقول بكل سعادة، وبلكنته العامية: "أني لا من سوريا ولا شي، بس ما عدش بدي ضل بلبنان".
لا يجد أبو العبد حرجاً من رواية القصة بأكملها، حيث يوضح: "لم يكن لدي أي خيار آخر سوى إدعاء أنني سوري، لا يمكن طلب اللجوء هنا لمجرد أنك لم تعد ترغب بالبقاء في دولتك"، مؤكداً: "لن أعود إلى لبنان وكفى".
دور التزوير
في معظم الحالات، يحتاج التقدم بطلب اللجوء، وثيقة إثبات شخصية، ترفق مع طلب يدخل فيه اللاجئ بياناته، وبهذا الحال، فإن كل من يجد في نفسه القدرة على الإدعاء بأنه سوري، يمكن له طلب الحق في اللجوء، لكن عليه تأمين وثيقة إثبات شخصية سورية، وهذا المهمة التي يتكفل بها محترفوا تزوير الوثائق.
هذا النوع من النشاط ازدهر فعلياً مع توفر بيئة خصبة له، بعد إنهيار المنظومة الحكومية في مناطق الشمال السوري.
أسامة، اسم وهمي لشاب سوري في العشرينيات من عمره، يقيم في تركيا، ويعمل بتزوير الوثائق السورية، من حوالي السنة والنصف، يتحدث: "يمكن إصدار بطاقة شخصية مزورة بمبلغ يترواح بين مئتين، إلى ثلاثمئة دولار أميركي، وصورة شخصية لصاحبها، بالنسبة لنا هذا عمل".
يصر أسامة، على أن معظم من يلجؤون إلى مثل هذه الوثائق، هم سوريون، منعوا من تجديد جوازات سفرهم، من قبل النظام، فلجؤوا لمثل هذا الحل.
ويضيف: "يتم طبع الوثائق في الداخل السوري ثم نقلها إلى تركيا ومن ثم ارسالها من هناك عبر وسائط النقل المتنوعة إلى طالبيها بعد أن يتم إرسال المبلغ المطلوب"، وفيما لو كان يرى أن من واجبه التحقق من هوية طالبيها يعلق: "واجبنا هو إتمام عملنا بالشكل الأمثل، لسنا جهة أمنية لنتحقق من أحد".
الإجراءات الأوروبية
تدقق معظم البلدان الأوروبية، بهوية طالب اللجوء، فرغم أن البعض ينتحلون الجنسية السورية وينجحون، لكن آخرون، يفشلون بذلك.
حول هذا، تحدثت روزنة مع ماري، وهي ناشطة ألمانية، تعمل في مجال مساعدة اللاجئين بالاستشارات القانونية، المتعلقة بطلب اللجوء.
تشرح ماري أن السلطات الفيدرالية الألمانية، لو شككت بأقوال طالبي اللجوء أو بالوثائق المقدمة، تقوم فعلياً بتعليق الطلب، وتبدأ عملية قانونية يتم من خلالها التأكد من هوية طالب اللجوء، مضيفةً: "بالتأكيد فإن السلطات لن تمنح حق اللجوء لمن يشك بانتحاله شخصية أخرى".
سارة، وهي سورية تعمل بمجال الترجمة مع السلطات القانونية في ايطاليا، تقول: "نعم من واجبنا كمترجمين تنبيه السلطات فيما لو شعرنا بأن طالب اللجوء يتحدث بلهجة غير سورية، تقوم السلطات عادة بسؤالنا عن ذلك، بعد جلسات الترجمة وعلينا أن نقول رأينا بكل حيادية".
لا يمكن حتى الآن، التأكد من أعداد منتحلي صفة السوري للحصول على حق اللجوء، ولكن يبدو واضحاً، أنه كما يحصل في كل أزمة، فإن مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد.