من غير الحميد أبداً، ومما لا يجلب الحسد على صاحبه، أن يكون في مواجهة النار، وهو لا يمتلك سوى قليل من الماء، لا يفعل شيئا، غير زيادة اللهب استعاراً. هذا ما يشعر به الأتراك في هذه الأثناء، وهم يرون تداعيات المعضلة السورية، متجلية في صورتها الأخيرة، ويواجهون الملف الأكثر خطرا في كوباني بسبب ما يترتب على كل أي قرار يؤخذ حياله.
منذ بداية الأمر، أرسل أردوغان وزير خارجيته بخططه ورؤاه ونصائحه إلى بشار الأسد، طالبا منه إجراء إصلاحات وانتخابات رئاسية، تفاديا لأن تتفاقم الأمور في البلد الجار، وحرصاً على درء شبح الفوضى، التي ينتج عن حصولها دخول الشرق الأوسط في دوامة واسعة من الدم والدمار، لا تستثني أحدا، إلا وناله من أثرها ما لم يكن في الحسبان. وبعد أن يئس من قابلية أن يتغير النظام السوري، وأيقن بأنه لا يريد مواجهة الأزمة إلا بما يزيدها تعقيداً، أخذ موقفاً صارماً من هذا الصديق القديم، وتجسد الموقف بتصريحاته المتعاقبة ضد النظام والحديث المتكرر عن ضرورة سقوطه، ثم باستضافة مؤتمرات المعارضة السورية في اسطنبول، وتسهيل دخول السلاح إلى الجيش الحر، وأخيراً بإظهار استنكاره للموقف الداعي إلى القضاء على تنظيم البغدادي، وعدم التطرق لمصير نظام الأسد.
توازى مع هجمات التحالف الجوية على مقرات التنظيم، أن قام عناصر الأخير بالهجوم على مدينة كوباني بنية السيطرة عليها وبدأت المعارك بينهم وبين أهالي المدينة وعناصر وحدات حماية الشعب. واحتدام المعارك في هذه المدينة الواقعة على الحدود التركية يلزم تركيا بأن تأخذ موقفاً حاسماً، تقرر من خلاله أيّة كفة من الميزان ستميل على حساب الأخرى، فهي أمام خيارين: إما أن تتفرج على اقتحام داعش لكوباني وتحتمل ما يلي ذلك من تبعات، وقد هدد حزب العمال الكردستاني بانتفاضة جديدة في تركيا، قد تعيد إلى المشهد تلك المواجهات الدامية بينهما. ترافق ذلك مع حدوث موجة كبيرة من الاحتجاجات، مؤخرا، في المدن التركية قام بها الأكراد وقتل فيها حوالي 30 شخصاً. الموقف الآخر هو أن تقوم بمحاربة داعش العمق السوري، ولكن ما يعيق اتخاذ الأتراك لقرار من هذا النوع هو امتلاكهم لتصورات أخرى لا تجعل من حصوله أمراً يسيراً إلا باشتراطات معينة على الأكراد والتحالف في آن معاً. خشية تركيا مما تراه حلم الأكراد بالانفصال، وخوفها من توجيههم للسلاح إليها غداً، يجعل مناصرتها لهم مقتصرة على الضمانات التي تحول دون حصول ذلك. ولما كان مما لا يناسبها أن تتفكك سوريا وتتحول إلى دويلات عرقية وطائفية، فإنها تصر على طلبها من التحالف أن يشفع ضرب تنظيم البغدادي بضرب نظام الأسد، لأنها تراه سبباً للفوضى في بلاده، و تعتبره الرّيحَ التي دفعت باللهب إلى بيادر الجيران.
بعد 130 ألف نازح من كوباني في أسبوع واحد، يضافون إلى المليون سوري في الأراضي التركية، تشدد الحكومة التركية على ضرورة إقامة منطقة عازلة في الداخل السوري لاستيعاب العدد الكبير من النازحين مستقبلاً، ولكن ما لا يشجعها على الخوض في الوحل السوري وحدها هو أن تكلفة هذه الحرب ليس هناك من يغطيها، كما تغطي بعض الدول العربية تكلفة ضربات التحالف. كما أنها في حال قررت التدخل بقواتها البرية ستكون في مواجهة مباشرة مع التنظيم، على الأرض لا من السماء، كما تفعل الولايات المتحدة، التي تبتعد أراضيها عن داعش وارتدادات الصراع الخطرة معه على بلادها ومواطنيها آلاف الكيلومترات. وهكذا، فبين الدخول في المعركة، أو الإحجام عن ذلك. يضع الأتراك رجلاً هنا، ورجلاً هناك، ريثما يتضح لهم جيداً ما هو الكابوس الأفضل.
*مقال الرأي يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي راديو روزنة.