تعد منطقة العصافيري جزء من حكايات أهل اللاذقية القدماء، المملوءة بقصص البحر والترقب والتذكار، وهي المكان المفضل للكثيرين منهم، بنباتاتها وبحرها وساحلها، الحافل بالمطاعم والمنتزهات.
يزور المكان الأطفال مع أهلهم، ويرتاده الشباب بمختلف الأعمار، لقضاء أوقات مسلية، فمقهى العصافيري من أقدم وأقرب معالم الكورنيش إلى قلوب أهل المدينة.
ماضي وحاضر أخضر
كان المقهى في قلب البحر في سبعينيات القرن الماضي، لكن عمليات رصف الشاطئ، التي ازدادت منتصف الثمانينيات، أبعدته عن المياه.
وحول ذلك تتحدث أم أسعد لروزنة: "بفترة خطبتنا أنا وأبو أسعد كنا نذهب إلى العصافيري، وأكثر ما يسعدنا كان حين نجلس على الكراسي ونضع أقدامنا في الماء، الآن أصبحنا بعيدين عن البحر قرابة 300 متر".
وتضيف أنه بسبب السفن العملاقة وحاوياتها، بالكاد يُرى البحر من قبل الجالس في المقهى، الذي استضاف منذ تأسيسه، كما تقول، أهم المطربين العرب القدماء، أمثال أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب.
يروي زوجها أبو أسعد بيلونة، وهو أحد الرجال الرحالة: "كان الكورنيش يمتد من القلعة إلى البحر، ومكان الحديقة الآن كان البحر، وكانت الناس تأتي من أوروبا لرؤية روعة المناظر هنا، ولا زال المكان يعبق برائحة البحر وذكريات من رحلوا".
وبحسب الرجل، فإن مطعم العصافيري من أقدم المطاعم الممتدة على الساحل السوري، إذ لم يكن بشكله الحالي، بل كان يميل إلى الأثري والشعبي أكثر، قبل أن يتوسع ويحتوي على صالتين، صيفية وشتوية.
يشرح أبو أسعد: "يرتفع المطعم خمسة أمتار عن البحر وبجواره قوارب صيد، والبحر يحيط به ويجعله أشبه بجزيرة صغيرة، وأخذ طابعاً جديداً بعد الثمانينيات، فأصبح به حديقة وساحات للعب، رغم التطور، لكني أجد الطبيعة والصخور والبحر أجمل".
طفولة وشباب
يقول هاني شموط الذي يصف نفسه صديقاً لمنطقة العصافيري: "منذ طفولتي وأنا أزور هذه المنطقة بشكل مستمر، كانت عائلتي تصحبنا إلى هنا، نسبح ونلعب، ونأكل السمك الذي لم أحظى بفرصة اصطياده بنفسي، وليومي هذا وأنا لا أكاد أفارق هذه المنطقة، نزورها أنا وعائلتي أو أصدقائي بشكل أسبوعي على الأقل".
يؤكد هاني في حديثه لروزنة، أن مقهى العصافيري ليس مجرد منتزه بالنسبة له، فهو بوابة على البحر الذي سكن فيه طوال السنوات الماضية، على حد تعبيره، موضحاً أن المكان أصبح جزءً من ذاكرته وأيامه الجميلة، وأن البحر بمثابة هوية لذكرياته الحافلة به.
مجمع عساكر
لم تكن منطقة العصافيري بمنأى عن جنود النظام، وعناصر الأمن واللجان الشعبية التابعة له، فقد أصبحوا من زواره أيضاً، وهو أمر لم يرق لبعض رواد المكان.
تتحدث أم مصطفى: "هذه المنطقة لا تتجزأ من تراثنا وتاريخنا بوجهة نظري، لا يزورنا أحد الأصدقاء من غير محافظات إلا وعرّفناه على العصافيري، وصار يتغنى بها، لكن في الظروف الحالية، لم أعد مطمئنة حتى على زيارة أسرتي لها، يرتادها العساكر ورجال الأمن كثيراً، وينتشرون فيها بشكل ملفت، مما يستدعي قلقي على بناتي وأولادي الشباب".
بسبب هذه المستجدات لم تعد الطالبة الجامعية نادية تذهب إلى العصافيري، بشكل دوري كما جرت العادة، حيث أصبحت مكان تجمع لكل العساكر دون رقابة، حسب وصفها، وتضيف:" لا مهمة يقومون بها سوى مضايقة البنات ببعض التلطيشات والحركات، حالياً لا أزور العصافيري، إلا مع عائلتي ومرة أو مرتين في الشهر".
بيت الأحبة
رغم مجيئ عناصر النظام بشكلٍ دوري إلى العصافيري، وما يقومون به من مضايقات، لكن ثمة مكان فيها للحب.
يرى عمار حبيب أحد رواد المنطقة، أن مقهى العصافيري يعني له شيئاً من الخصوصية، ويصفه بأنه وعاء الحب، الذي يحتويه ومحبوبته.
ويقول الشاب: "هو المكان الأجمل الذي حضن لحظاتنا وخبأها، معظم وقتي مع الحبيبة أقضيه هنا، نسجل ذكرياتنا على الجدران، نرمي بهمومنا في البحر، ونأخذ الأمل والسعادة من وجوه الناس، فكل شيء يدعو للفرح والتفاؤل في هذا المكان، أنا سعيد بأن البحر كان الشاهد الأول الذي دوّن قصة حب عصفورين، هما عمار وهبة".