القضاء على داعش ينتظر التسوية النهائية في الإقليم!

القضاء على داعش ينتظر التسوية النهائية في الإقليم!
القصص | 27 أكتوبر 2014

إن المراقب المتأمّل للحرب الدولية التي تشن على داعش اليوم، سيلحظ التناقض الهائل ما بين الحرب والخطاب الإعلامي المرافق  لها وتقدّم داعش في بعض المناطق في كل من سوريا والعراق، الأمر الذي يدفع للتساؤل: هل الحرب تسعى للقضاء على داعش حقا؟ أم ثمة أجندة خفية؟

مما شك به أن "داعش" ما كانت لتمدد وتستمر حتى اليوم، لولا تواطؤ جميع القوى الدولية والمحلية على ذلك، لأنها في حقيقة الأمر ليست إلا شماعة تعّلق عليها جميع الموبقات الدولية، لتحقّق تلك القوى ما عجزت عنه حتى الآن، وكل لمصلحته، ولكن كيف؟

لم يعد يخفى على أحد أن المنطقة كلها تخضع لإعادة ترتيب على ظهر الربيع العربي الذي عمل الجميع على إجهاضه في الأرض السورية،  بما في ذلك الذين يقدّمون أنفسهم داعمين لهذه الثورة وعلى رأسهم دول الخليج التي احتوت التحولات الثورية في محيطها خوفا من ارتدادها على دواخلها الوطنية، كما إيران تماما التي أدركت أن دخول دمشق بوابة الديمقراطية يعني اقتراب سقوط نظامها، الأمر الذي دفع الطرفين لتحويل الأرض السورية إلى حاضنة لكل أنواع التطرف عبر غض الطرف عنه بطريقة أو بأخرى، ليتم حرق الثورة وشعاراتها المدنية والديمقراطية، وهو الأمر الذي حققته داعش وأشباهها ( النصرة، الجبهة الإسلامية) بإعطائها الثورة صورة الإرهاب، ممّا مهّد الأرضية الدولية لصياغة التحالف الذي حقّق لواشنطن وحلفائها ما تريده من تدخل في الأرض السورية، وحقق لروسيا وحلفائها ما تريده بتعميم صورة الإرهاب ولو جزئيا في محاولة لطمس البعد المدني الديمقراطي السوري وإنقاذ نظام دمشق، لنكون أمام واقع يقول بتقدّم الإقليمي الدولي اليوم على البعد الداخلي للثورة السورية.

وطالما أن الصراع بين القوى الكبرى على هذه القضايا ( إسقاط النظام وصياغة واقع القوى في الإقليم والملف النووي الإيراني..) لم يحسم بعد فإن الحرب الدولية على داعش لا تفعل اليوم إلا أن تكون شماعة يتم تحت إطارها تهيئة الأرضية اللازمة لكل طرف لكي يحقق مكاسب على حساب الطرف الآخر، بحيث لا يغدو القضاء على داعش هو الهدف الآن، بل أن يحقق كل طرف هدفه التكتيكي سعيا للفوز بالحصة الأكبر من الأهداف الاستراتيجية، بحيث يغدو هدف واشنطن إغراق إيران واستنزافها في مستنقعات المنطقة من صنعاء حتى بغداد ودمشق وبيروت ( ومن هنا نفهم سر الزمن الطويل الذي حدّدته واشنطن للقضاء على الإرهاب!)، سعيا لإضعافها ودفعها لتقديم تنازلات في الملفين النووي والإقليمي، مع العمل بذات الوقت على دعم المعارضة السورية على الأرض لدفع النظام السوري نحو التسوية المرجوة التي قد تجبر الأسد على الرحيل أو إيران على التراجع، خاصة أن الحليف التركي لواشنطن أعلن قبوله تدريب المعارضة السورية مقابل السماح له بتصفية تجربة الحكم الذاتي التي قام بها حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، تخوّفا من ارتدادها على الداخل التركي، ومن استغلالها من قبل حزب العمال الكردستاني للتصلّب في المفاوضات التي تجري بين الطرفين، الأمر الذي يعني في نهاية المطاف أن القضاء الفعلي على داعش عليه أن ينتظر إلى حين نضوج التسوية الإقليمية وضمنها السورية. وهو وحده ما يفسّر تقدّم داعش ودخولها عين العرب " كوباني" أمام أعين طائرات التحالف التي تتنزه في سماء المنطقة بالتجاور مع طائرات النظام التي لا تزال تفعل فعلها في جسد الثورة والمجتمع السوري، حيث يستغل النظام أيضاً الاهتمام الإعلامي بالحرب على داعش ليكثّف من قصفه على أحياء استعصت عليه طويلا ( جوبر، الوعر، ريفي حلب وإدلب..)، وكأننا أمام توزيع أدوار حيث يقوم كل طرف بمهمته، ما يفسح المجال لداعش بالتمدّد إلى الحد الذي يبقيها شماعة، ليصار للقضاء عليها بعد اتضاح معالم التسوية المطلوبة، وفق الشروط الأمريكية التي تريد أن تعمل على أن تبقى طائراتها تحلّق في سماء المنطقة لمكافحة الإرهاب!

-----------------------------------

مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة 

 

 

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق