قضية المعتقلين على أهميتها، كقضية تنال من حرية مئات آلاف أبناء وبنات سوريا، تراجعت إلى الوراء لأسباب عديدة أهمها:
أولاً : الموت الذي تصغر أمامه كل مصيبة، حتى بات السجن مكاناً آمناً، في حال عرف مكان السجين. ثانياً : أن لا حل لهذه القضية، دون إيجاد حل جذري للصراع الدائر في سوريا، بعدما تحول السجين وراء القضبان إلى أسير، وورقة ضغط ومساومة، ضد الطرف الآخر في الصراع ، حيث تم احتجاز قسم كبير من السجناء، ليس كمتهمين بل كرهائن بسبب انتمائهم لعائلة أو منطقة ما، بدافع الانتقام .
أما السبب الثالث، فهو الانتهاكات الكثيرة والكبيرة التي تلحق بالسوريين أينما حلوا ورحلوا، سواء في مناطق اللجوء أم في عقر دارهم، بعدما تحولت سوريا إلى سجن كبير، لأن السجين ليس من يعيش وراء القضبان فحسب، بل إن السوريين المقيمين في الداخل، يتعرضون لرقابة صارمة على وسائل الاتصالات، وتدقيق وتفتيش وتقييد على الحركة من قبل الحواجز، حتى أن الموافقة الأمنية وصلت حد استئجار بيت للسكن، حتى يبدو السوري كأنه محكوم عليه بالإقامة الجبرية، أضف إلى ذلك أن مستقبل و حياة السوريين من كل جوانبها ، تتعرض للخطر، كل ذلك حول السوريين إلى عاجزين عن الالتفات لأوضاع أبنائهم المعتقلين.
ويزيد على ما سبق، عجز المعارضة بسبب التضييق والقمع والتشتت والعنف. كما أن غياب دور المنظمات الدولية المعنية بحقوق المعتقلين وحقوق الإنسان عن لعب الدور المناط بها بالرقابة والضغط على النظام، بسبب الانتهاكات الفظيعة التي يتعرض لها السجناء، بدءً من الاعتقال التعسفي إلى التعذيب الوحشي الذي وصل حد انتهاك حق الحياة، إلى التحقيق والتوقيف ومخالفة القانون، الذي يقضي بإحالة أي متهم للمحكمة بعد شهرين من توقيفه. مروراً بأماكن الاعتقال، حتى نصل إلى المحاكمة التي تفتقد إلى أبسط الحقوق في الدفاع: يتم التضييق على المحامين في محاكم الإرهاب، فيبدو دور المحامي سلبياً ولا قيمة لدفاعه، نتيجة صورية التحقيق والمحاكمة، مع عدم وجود ضمانات الدفاع. وانتشار دور المال السياسي وابتزاز الأهالي عبر وسطاء.
لكن مهما كانت الأسباب، تبقى قضية المعتقلين في سوريا قضية كل سوري حر يسعى إلى تحقيق العدالة وتطبيق قانون عادل ضد المحاكم الاستثنائية، ومحاكم الإرهاب والمحاكم الميدانية التي يحاكم أمامها المعتقلين. ضد الظلم والاعتقال التعسفي ومناهضة التعذيب.
لقد تجاوز عدد المعتقلين مع المفقودين مئات الآلاف. منهم آلاف النساء، 500 منهن تم نقلهن من فروع الأمن، إلى السجن المركزي للنساء في عدرا وتمكن من التواصل مع العالم الخارجي وإيصال أصواتهن، وأصدرت المعتقلات بياناً شرحن فيه مطالبهن، وسلطن الضوء على أوضاعهن، حيث يوجد في عدرا 500 امرأة معتقلة من اللواتي تحولن إلى محاكم الإرهاب، يضاف إليهن الآلاف من المعتقلات في الفروع الأمنية، اللاتي يتم احتجازهن بشكل غير قانوني، بعدما تجاوز معظمهن المدة القانونية للتحقيق، التي حددها القانون بالشهرين، ويتم انتهاكها من قبل واضعي القانون.
عرض البيان إحصاء يبين الحالات التي يجب إيجاد حل لها على وجه السرعة، فبالنسبة لسن المعتقلات هناك 30% منهن تجاوزن الخمسين عاماً أي أمهات. كما أن المعتقلات من الحوامل نسبتهن 5%، و في كل شهر هناك حالة ولادة لطفل في المعتقل، وسط غياب كامل للرعاية الصحية للحامل والجنين و للطفل المولود، وعدم تأمين الدواء إلى السجينات اللواتي يعانين من أمراض مستعصية، و تبلغ نسبتهن 60% من السجينات.
كما أن نسبة النساء اللواتي شملهن العفو لم تتعد 3% مما يدل على شكلية العفو ، كما أشاروا إلى أن الحد الأدنى لتكاليف المعيشة للسجينة الواحدة 5000 ليرة سورية، لكن فقط 30% يتاح لهن فرصة الزيارة ودعم الأهل في معيشتهن.
أما اللواتي يستطعن توكيل محام للدفاع عنهن فلا تتجاوز نسبتهن 20% من المعتقلات.
أخيراً لابد لنا من كلمة نضم بها صوتنا إلى صوت المعتقلات، متوجهين إلى المنظمات الدولية المعنية ولفت نظرها لقضيتهن، من أجل الإسراع في تشكيل لجان يتم السماح لها بزيارة أماكن التوقيف والاعتقال للاطلاع ومراقبة أوضاع المعتقلين، وفق ما تمليه التعهدات التي وقعت عليها الدولة السورية، ومنها الاتفاقات الدولية المناهضة للتعذيب وشرعة حقوق الإنسان، كما يجب العمل على تقديم الدعم والمعونة المادية للمعتقلات أسوة بغيرهم من المحتاجين للمساعدة.
----------------------------------------------
مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة