أصبحت الضربات الأمريكية تعدّ بالأشهر الآن، وكانت أمريكا قد حذرتنا من قبل أنها ستمتد لعقود متتالية. كان الأمل وربما الأدق القول الوهم، أن ينحسر داعش بأشهر معدودة، ولكنه يزداد ضراوة ويأخذ مدناً جديدة في العراق وسوريا. الضربات بدلاً من أن تضعفه تزيده قوةً وعزيمة وعدداً، ونخشى عدةً كذلك، فالكلام عن طائرات داعشية صار واقعاً. وها هو يحاصر عين العرب منذ أكثر من شهر، ولا يتراجع عنها، ورغم الضربات والمقاومة الميدانية لا يزال يقاوم. وفي أثناء ذلك ينعقد حواراً مستمراً بين دول التحالف ودول المنطقة لترتيب وضع المنطقة بأكملها.
هنا يصبح إعلان أمريكا أن الحرب ستطول لعقود ذو معنى دقيق، إنها حرب لترتيب العلاقة بين دول المنطقة، وتحت الهيمنة الأمريكية؛ ولكنها هيمنة تستند إلى تلك الدول كذلك. وتستنزفها مالياً بصفقات السلاح الجديدة، وبتمويل الحرب ذاتها. وسيكون على الحكومة القادمة في سوريا أن تدفع أيضاً قسطاً من فاتورة الحرب؛ فالتحالف من أتى بها.
إذن السياسة الأمريكية، تعطي دوراً للحركات الإرهابية في صياغة شكل هيمنتها العالمية. قبل ذلك استخدمت القاعدة في أفغانستان، رغم أن القاعدة لا علاقة لها بأية فكرة تخص التحرر أو الحرية أو الديمقراطية أو سواها؛ وفي العراق وُظفت طاقات الزرقاوي الجهادية من أجل دحر المقاومة وهو ما كان. وبعد تمدّد إيران إلى العراق وسورية، واندلاع الاحتجاجات والثورات في البلدين، تم إعادة خلق تنظيم داعش كتنظيم أكثر همجية وكي يقتل روح الثورات نهائياً ليس في سوريا والعراق بل في كامل الدول العربية. ففي سوريا وجد داعش في 2013 كما يقول (العبادي) أي أن داعش أتت من سوريا، وهو يريد القول ليست السياسات الأمريكية ولا سياسات المالكي وإيران السبب! أي أن وظيفة داعش بالنسبة للأمريكان، هي تحقيق غاية واحدة وهي إيقاف التمدد الإيراني وتدمير الثورات والاحتجاجات وإعادة الهيمنة الأمريكية على العراق والتداخل بسوريا بشكل كبير.
ولكن هل هذا يعني أن أمريكا لن تنهي داعش؟!
تقول أمريكا أنها ستحدّ من انتشار داعش، وستحارب إيديولوجيته أيضاً، وستكون الحرب لسنوات. هذا إقرار واضح، أن داعش سيبقى ويستمر كما بقيت القاعدة وذلك كي تفرض أمريكا هيمنتها، وسيكون داعش ذريعة تلك الهيمنة. هنا نشير أن الضربات الأمريكية أعادت إحياء الروابط بين داعش والنصرة في سورية وهناك تنسيق كما يبدو بينهم مجدداً، وتقول بعض التقارير أن النصرة شنت معارك قوية ضد حركة حزم وجبهة ثوار سورية في إدلب بصفة خاصة. وهذا مؤشر أن أمريكا تريد الاستثمار بداعش والنصرة وغيرها إلى أن ترتب كل أوضاع المنطقة وتنتهي بترتيب الحكم في سورية لاحقاً.
أمريكا لا تريد التدخل برياً، أي لن يعود جنودها ملفوفين بالعلم الأمريكي، ولن يتشكل رأي عام أمريكي ضاغط للانسحاب، فهي إذاً ليست بعجلة من أمرها. سوريا بالأصل مدمرة، ونظام حكمها يطلب الود، وأمريكا تتمنع عن ذلك، وإلا فإن كثير من دول تحالفها والذين سيدفعون ثمن ضرباتها ستتوقف. إذن النظام لن يكون ضمن التحالف وسيتم ترتيب وضعه لاحقاً ووفق الاتفاقيات بين دول التحالف وبما يحدد لإيران حجمها الإقليمي وحقوقها في المنطقة (العراق، سوريا، لبنان، اليمن) ولكن في إطار الهيمنة الأمريكية على المنطقة.
إستراتيجية التحالف تقول: لا خطوات جديّة ضد النظام حالياً وعلى تركيا ومن يطالب بذلك الصمت! وسيكون الشتاء كارثياً على السوريين المحاصرين والمعتقلين والفقراء. وفي حال كان هناك أية خطوات جديدة ضد النظام ستضمن مصالح التحالف ومصالح الدولة المتحالفة مع النظام. داعش الذي أنجبته عدة أجهزة استخبارات عالمية وإقليمية والنظام، يؤمن بهمجيته وبربريته الغطاء الكامل للترتيبات الجديدة لأنظمة الحكم. ولكن ما جرى في سوريا سيذهب بالشخصيات الرئيسية في النظام، وذلك حالما تصل هذه الإستراتيجية لبند تغيير النظام، وسيتشكل نظام جديد هجين، من المعارضة والنظام معاً، وسيكون للقوة العسكرية التي تدربها أمريكا دوراً في ذلك الجيش، فهل سيكون كما حال جيش العراق بعد 2003، أي جيش هش وضعيف وعديم الفعالية، هذا ما سيستدعي تدخل أمريكي مستمر لمحاربة الإرهاب!.
قراءتنا هذه تقول: الحرب ليست على داعش بل بداعش وبالقوى الإرهابية إذن، وكل الكلام عن إستراتيجية لإسقاط النظام، أو طلب التدخل العسكري لإسقاطه كانت محض أوهام لمعارضة عاجزة وفاشلة بالكامل، وحين حدث التدخل تم بغياب أي تنسيق معها بالكامل، لا مع الجيش الحر ولا مع المعارضة السياسية، التي قيل يوماً أنها الممثل الوحيد للثورة السورية!. إذا ولأن داعش أبشع من ممارسات النظام، فالنظام لن يتم إسقاطه، والممكن الوحيد أمريكيا هو حل سياسي، وفي هذا لقاء (غرامي لا يتوقف) مع إيران وروسيا.
نريد القول إن داعش لن يتم الانتهاء منه كما يبدو، وستكون سوريا كاليمن والصومال وليبيا والعراق، أي ستكون دولة فاشلة، وتتدخل فيها الطائرات بلا طيار بشكل مستمر لضرب الإرهاب!. فبعد كل ما دمره النظام تدمر أمريكا بقية منشات النفط والغاز والبنية التحتية، لترفع من كلفة إعادة الإعمار وبالتالي تجبر الحكومة القادمة على الخضوع الكامل لشروط دول التحالف بالتحديد. فمن يدمر سوريا الآن بحجة محاربة الإرهاب والتخلص منه أو الحد منه سيتحكم بنظام الحكم القادم. طبعاً إن كانت هناك مرحلة إعادة الإعمار.
داعش هذا هو الغطاء لأفعال هذا التحالف. وأمريكا تحافظ عليه، ولا تواجهه كما تقول. هي تضعه كهدف وتشكل تحالف ضده، ولكنها لا لتميته بل لتستفيد منه وتعيد هندسة أنظمة الحكم.