تمسك حلا بيد أخيها علاء وتركض به مسرعةً بعد انتهاء الدوام، بعيداً عن جدران مدرستهما، مدرسة عكرمة المخزومي.
تقول الطفلة لروزنة: "أخاف كثيراً كلما حان وقت العودة إلى البيت، أخي في الصف الأول، إن حصل شيء له سأموت".
تشكر ذات التسع سنوات الله، لأنه لم يأخذ أخيها منها، فعلاء كان قريباً من مكان التفجير، مضيفة:" ماما ما فيها تاخدنا من المدرسة كل يوم، أنا أحمي أخي بعد انتهاء دوام المدرسة".
تتساءل والدة حلا، التي تصطحب أطفالها من المدرسة يومين في الأسبوع فقط: "ما نفع كل هذه الحواجز الأمنية اذا كان شخص بلباس عسكري، يستطيع الاختراق وتفجير مدرسة وقتل أطفالها، ماذنب هؤلاء الأطفال وما ذنب أمهاتهم؟".
رشا أمٌ أخرى، تنتظر كل يوم وبعد حادثة التفجير، خروج أبناءها بفارغ الصبر، تؤكد أنها ستعمل على نقلهم إلى مدرسة أخرى، وتتابع:" لا تكفي التشديدات الأمنية والعسكرية على أبواب المدارس، الدولة لا تحرص على شباب الغد كما تقول، لو كانت تفعل ذلك، لأحاطت المدارس بأجهزة كشف المتفجرات".
فاجعة تهدُّ الجبال
وضع أجهزة إنذار حول المدارس، وتشديدات أمنية وعسكرية على أبوابها، أمرٌ بالنسبة لمريم، لم يعد يعني شيئاً، فولداها روز ومعلا، قَضيا في تفجير المدرسة.
تكاد الأم لا تستوعب النهاية التي وصل إليها طفلاها، فاجعتها كبيرة، وتهدُّم الجبال حسب وصفها.
تتنهد مريم، وهي تتحدث: "أسبوع كامل استغرق البحث عن روز، طفلتي سقطت أشلاء، حتى الحمض النووي لم يتمكن من جمع أشلاء روز الجميلة"، أما معلا ذو السبع سنوات، فقد استطاعت مريم ضمه إلى صدرها، قبل أن يطير إلى حضن الله، حسب ما عبرت.
متنكراً بلباس عسكري
شهدت مدرسة عكرمة المخزومي بحمص الشهر الماضي، تفجيرين متتالين وقعا على بابين لها، قال إعلام النظام، إن انتحارياً متنكراً بلباس الجيش، فجر سيارة مفخخة عند الباب الأول، ثم قام بتفجير نفسه عند الباب الثاني بحزام ناسف.
وحسب أهالي حي عكرمة، فإن الرجال التي تمر أمام المدرسة بلباس الجيش، أكثر من المدنين.
هل يوجد إرهابي؟
عند سؤال روزنة لأبو عامر الذي يقطن مقابل مدرسة عكرمة، عن التفجير الذي قام به الانتحاري، أجاب: "من قال إن هناك إرهابياً فجر نفسه؟ لا يوجد إرهابي، أنا كنت وقت الحادثة".
مضيفاً: "لم يرى أحد الإرهابي وحزامه، اعتقد أن التفجير الأول تم عن بعد، أما الثاني الذي قالوا إنه حزام انتحاري، فهو عبوة ناسفة وضعت أمام الباب الثاني للمدرسة".
تلفيق وتناقض
يرى أبو عامر أن الإعلام السوري كاذب، ويلفق الأخبار والشائعات التي يراها مناسبة له، وخير دليل على ذلك حسب اعتقاده، ما تناقله أهالي الحي على لسان رجال الأمن والجيش.
ويوضح الرجل: "أول يوم للتفجير قالوا إن منفذ العملية حموي من بيت الشعار، في اليوم الثاني أتى رجل من الأمن العسكري قال إن المنفذ فلسطيني، في اليوم الثالث جرت شائعة قوية تقول إنه شيعي من حي المزرعة، فلما كل هذا التناقض؟".
يصف أبو عامر رجال الأمن التابعين للنظام، بالمثيرين للنزاعات والمشاحنات الطائفية، في الحي الحمصي الذي تسكنه طوائف وملل عدة، بمن فيهم الشيعة والفلسطينين.
كان من المعروف لدى أهالي الحي، أن السيارة التي انفجرت، من نوع مازدا 29، تابعة لعقيد عسكري في جيش النظام، اعتاد ارسال عنصر لديه لاصطحاب أطفاله من المدرسة.
مظاهرات ضد المحافظ
كانت قد خرجت مظاهرات عقب التفجير، تطالب بعزل محافظ حمص طلال البرازي ومحاكمته.
ترى المواطنة رشا أن "هذه المظاهرات رد فعل طبيعي من قبل أبناء الحي، عندما شاهدوا أطفالهم يتساقطون أشلاءً أمام مدارسهم".
فيما يصف سامر اعتصامات المتظاهرين بالمخجلة، مضيفاً:" لا يعلمون ماذا يريدون، لقد خرجوا لأنهم لا يرويدون المصالحات التي يقوم بها المحافظ، فهو يعمل على إقامة مصالحات، وبعض أبناء حمص، لا يردون أو لا يناسبهم المصالحات والتعايش".
ورأى سامر أيضاً أن المحافظ: "حاول التضييق على أعمال الشبيحة في حمص، للحد من سطوتهم، إلا أنه لم ينجح".
ونالت موجة الاحتجاجات تلك بعض الصدى، لدى سلطات النظام السوري، لكن ليس بإقالة المحافظ، بل بعزل رئيس فرع الأمن العسكري في حمص، العميد عبد الكريم سلوم، ورئيس اللجنة الأمنية في المدينة، اللواء أحمد جميل.
تهديدات بقتل المديرة
نالت مديرة مدرسة عكرمة سعدية الزمتلي، حصة كبيرة من الانتقادات الساخطة مؤخراً، وصلت إلى حد تهديدها بالقتل.
قام بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بتوجيه اتهامات إليها، بضلوعها في عملية تفجير مدرسة عكرمة المخزومي، وقتل العشرات من طلابها، بالإضافة إلى تقصيرها الكبير تجاه المدرسة والأطفال، فكان من النظام وحسب ما لاحظه أهالي الحي، وضع مرافقة شخصية من رجال الأمن العسكري، لحماية المديرة من أي هجوم مرتقب.
وبحسب أبو عامر، فإن المديرة تعيش حالةً كبيرة من الخوف، وهناك أنباء، عن إقالتها، أو نقلها إلى مدرسة أخرى.
يكاد العيد في حمص لا يمر، دون حادثة تتلطخ فيها دماء الأطفال والمدنيين بمتفجرات زرعت للنيل منهم، فمن يعلم ما تخبئه الأعياد القادمة لهم؟