اللّحية المدعومة

اللّحية المدعومة
القصص | 15 أكتوبر 2014

في هذا الزمن، أصبحت المظاهر مهمة، إنها أكثر ما يمكن أن يحدد من أنت وماهو انتماؤك، وربما أيضاً هي سبب نجاحك المهني.

في علوم الطاقة وبحوث الماورائيات يقول العلماء أيضاً، إن ابتسامتك ومظهرك يتكلمان كثيراً عنك،  ويعطيان انطباعاً أولياً لدى الآخرين عما يمكن أن تحمله من أفكار ومشاعر. لكن هل يمكن أن يكون ذلك منطلقاً أساسياً لشخصية الإنسان؟،  هل يمكن أن نسلّم بالمظاهر والشكليات ونبتعد عن العمق والداخل؟ . 

لايمكن إنكار أن واقعنا الحالي فرض علينا أن نلتزم بشكليات معينة، وهنا أخص الذكور، كيف لا وهم حطب الحرب المهيء للإشتعال في أي لحظة وبأي طريقة. لحية الشاب قد تكون أهم مالديه من مظهر يدل على رجولته – على الأقل في نظر شباب هذا الجيل- اللحية المشذبة لها حكاية وقصص، تتغنى بها النساء أو ربما بعضهن. لقد أصبحت موضة جديدة، وصلت أصداؤها إلى نجوم هوليود الذكور، وأصبح لها أشكال وألوان مختلفة. لكن المفارقة في بلادنا هيي أنك لاتستطيع أن تطيل لحيتك كما تحب إلا إذا كنت مدعوماً من جهة ما، إذا أطلقتها وكنت مواطناً عادياً فقد تثير الشكوك بأنك تنتمي إلى إحدى الجماعات المتشددة أو تتبع فريقاً سياسياً ما، لكنك تستطيع إطالتها إذا كنت من ذوي الأعمال الهامة والأملاك الكثيرة وكانت لديك سلطة ما. 

تبدو المفاهيم هنا متناقضة، وتبدو الواسطة متواجدة بقوة حتى في موضوع اللحية، أصبح الآن بعضها مدعوماً، وغيرها من اللحى الأخرى مصيره القص والإزالة، إلا إذا استطعت الحصول على استثناء أو ترخيص، وهنا عليك أن تدفع شيئاً ما في المقابل. 

أذكر حادثة لصديق انتقل من سوريا إلى لبنان، وعاش لفترة هناك إلى أن وهبت له السماء لجوءً أوروبياً، قال لي يومها بلهجة ساخرة: أخيراً أستطيع أن ألبس ماشئت من ثياب وأعمل موديلات، بلحية أو بدونها، كما أحب، ودون الخوف من أن يتم زجي في خانات سياسية أو طائفية، أو أن يتم إيقافي على الحواجز لساعات طويلة لمجرد الشك بي. طبعاً هو لم يسعى للجوء فقط من أجل ذلك، لكنه كان يشير من خلال اللحية إلى قضية أهم،  ألا وهي الحرية في حياته الشخصية وحقه في الإبتعاد عن تجاذبات المصالح السياسية والدينية، تلك المصالح التي تتحكم بنا جميعاً، سواءً قبلنا بذلك أم لم نقبل. فالكثير من الأبرياء قضوا بسبب المال الملطخ بالأنانية والجشع، الكثير منهم اضطرته الظروف اللاإنسانية، إلى أن يضع نفسه تحت رحمة قاتل ذو لحية مدعومة،  من هذا الطرف أو ذاك.

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق