هل لكل منا ثورته؟

هل لكل منا ثورته؟
القصص | 12 أكتوبر 2014

نقد الثورة أهم وأكثر قيمة في دعمها من التهليل والتطبيل والتزمير لها. إذ إننا وبعد أربع سنوات من الغوص في تفاصيل الواقع السوري مازلنا نقف عند عتبات بديهية وساذجة، عتبات يجرنا لها سوء فهم مزمنٍ تارةً، وسوء تصرف متدرج في الواقع تارة أخرى.

وفي الجدل حول هذه النقطة أو تلك يتكشف مسار النقاش بين المتحاورين السوريين عن فجوات وهوىً متسعةٍ يوماً بعد يوم. فهناك جيل كامل نشأ مع الثورة يقف بالترادف مع أجيال أخرى، لابد من أن يخاض النقاش معه كما مع غيره، والمراهق الذي كانت تتفتح عيناه في شهر أذار 2011، وعاش تفاصيل الحراك منذ بدايته السلمية وحتى عتبة تحوله إلى ثورة مسلحة وصولاً إلى لحظات التشتت والفوضى على الأرض، بات الآن كامل الرجولة في ظل تسارع الوقائع على الأرض، وبات يملك في داخله جرأة اتخاذ قرارٍ والدفاع عنه والموت في سبيله.

هذا المراهق هو العتبة الصغرى التي نواجهها حين نتحدث عن واقع الثورة ونجادل فيه، ولنا أن نتخيل النوازع المتفجرة لدى الأجيال الأخرى والتي تأخذها إلى عتبات أخرى، فالشباب الذي كان يميل إلى تيارات إسلامية مقموعة بات الآن يعلن حريته، وبات الآن يبرع في الجدل والمماحكة في الدفاع عن مظلوميته التاريخية، وفي نهاية النقاش سنكتشف أن لهذا الشباب ثورته الخاصة التي هي ثورته الإسلامية. وبالحالة ذاتها سيعاد إحياء المشهد ذاته لدى التيارات اليسارية والقومية.

تكرار هذه الوقائع يؤكد وبشكل حقيقي أننا لا نعيش معاً ثورة واحدة، فلكل منا ثورته، وإذا كنا جميعاً قد خرجنا تحت شعارات أولية نبيلة، تتلخص بالحرية والكرامة والعدالة، فإننا الآن نبحث كثيراً وربما ننقب في الخطابات الثورية لدى هذا الفصيل أو ذاك،  عن تقاطعات ترده إلى سبيل الشعارات الأولى التي يقول الجميع الآن إنها تمثلهم.

تفكك الدرع الثوري لدى السوريين بهذا الشكل أو ذلك، لم يأت نتيجة ضربات النظام وقواه العسكرية والإعلامية، بل ربما نستطيع القول أن هذه الضربات هي أقل من تتسبب بما يحصل، فالجميع يدرك أن المواجهة مع النظام توحد القوى الثورية، ولكن التفكك حصل ويحصل يومياً مع تنامي النزعات المناطقية والطائفية، ومع تنامي الارتهان للداعمين، ومع سيطرة قوى محددة على مجمل الحراك السياسي للمعارضة السورية. وكذلك يحصل التفكك حين يعاد إنتاج "عقل" النظام في رؤوس المعارضين الذين يوضعون في مواقع اتخاذ القرار، دون أن يتاح لعموم القوى الثورية أن تمارس الجدل السياسي والفكري بحرية وبصراحة ومكاشفة.

كثير من السوريين الذين ذهبوا في خيار الثورة، وفي واقع وجود قوى ثورية تمارس التشبيح الفكري، لا يجرؤون على طرح سؤال يخامر ذاتهم ويقول: هل هذه هي ثورتنا؟ ورغم أن قراءة الوقائع على الأرض ستؤدي للإجابة بـ"نعم" هذه هي ثورتنا. إلا أن السؤال يبقى حبيساً ومسكوتاً عنه. وفي تحليل الإجابة، لابد من استعادة حقائق راسخة في الواقع السوري، تتمثل بتراكمٍ قهري استمر لأكثر من نصف قرن، أدى وسيؤدي إلى كل ما يحصل، والإحالة إلى هذا التراكم لا تعني بأي حال من الأحوال، الاستكانة وعدم مجادلة الواقع وأفراده، بل إنها أرضية للتفكير، ومساحة لبناء الركائز التي يمكن الاستناد إليها في سياق الحوار بين السوريين المتخندقين قومياً وطائفياً وفكرياً، في هذا الجانب أو ذاك.

الجدل ونقد هذا الواقع ورؤية تفاصيله المكونة، يراه البعض أنه هجوم على الثورة، ولكن السياق يقود حتماً إلى أن من يرى الأمر هكذا إنما يكون في موقف المدافع عن ثورته هو، وليس عن الثورة التي التف حولها السوريون..، وبتسلسل منطقي سنرى أن من ينافح عن ثورته هو لا عن ثورة السوريين، سيصل بالنتيجة لأن يحدثك عن وطنه هو لا عن وطن السوريين..!

 

وهكذا دواليك..


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق