ربما يشبه الموقف كله مشهداً كوميدياً في إحدى مسرحيات موليير، أو في مسرحية كوميدية مصرية، أو مسرحية سورية.
فأن يتنطح شخص ما لا يملك أي مقومات مؤهلة لإدارة مؤسسة كبيرة، وأن يضع لها قوانيناً من صنع تلافيف دماغه هو، فإن هذا بحد ذاته موقف كوميدي، يمكن أن يتم الاشتغال عليه مسرحياً ودرامياً. ولعل تكرار الأمر في سياق الأعمال الفنية، لا يضر، ولكنه في المحصلة يتحول إلى ثيمة مملة ومكررة، لن ينفعها تغيير المؤسسات المدارة، فهذا النمط من التفكير يبقى مضحكاً، إن كانت المؤسسة بقالية صغيرة في حي شعبي أو وكالة فضائية.
ولكن الكوميديا في الفن ستنقلب إلى تراجيديا حقيقية إن تكرر هذا الموقف في الحياة الواقعية.
وفي أصل الموضوع، نعلم أن المنطق الحياتي الواقعي لا يتيح لمن لا يملك المؤهلات أن يقوم بإدارة شيء سوى أموره الشخصية، ولهذا تنشأ الحالة الكوميدية من هذا التباين بين ما نعلمه عن واقع حال من لا يملك المؤهلات، وبين الوقائع التي قادت الشخصية لأن تتربع على عرش الإدارة. وهذا المنطق الحياتي الواقعي ما جعلنا كسوريين ننظر بعين الغضب إلى ما راكمته سلطة الأسد الأب والابن من فشل في إدارة حياة السوريين، أدى إلى تراجع البلد بشكل كامل على كافة المستويات، مقارنة بما حدث في بلدان أخرى تشبه سوريا وربما لا تملك إمكانياتها ذاتها.
الورم الذي سببه النظام الديكتاتوري في جسد الدولة من نواحي الإدارة كان يقوم على تكرار الفرضية الكوميدية المشار إليها أعلاه بقوة الهيمنة والسلاح، فالمدير الفاشل الأفاق اللص هو صديق ضابط المخابرات أو قريبه أو ابن محلته أو قريته، ولكونه كذلك فإن إزالته من موقعه كانت عملية صعبة، وربما مستحيلة في ظل استشراء سلطة الأمن على مؤسسات الدولة والمجتمع.
ولأن الثورة هي ثورة على كل حمولة النظام، بما فيها الحالة التي رسخها في المؤسسات الحكومية، كان لابد للمعارضة أن تذهب إلى معركة كبيرة ومهمة هي إدارة المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وأن تقوم بإدارة الشؤون الأساسية للسوريين الذي باتوا يعيشون في دول الجوار، هذه المعركة الكبيرة ليست شيئاً هامشياً يمكن الاستهانة به، بحجة التركيز على المعركة السياسية أو العسكرية، بل هي في صلب هاتين المعركتين، فإذا كانت لا تملك القدرة على الإدارة فإنه من الصعب عليها أن تقع العالم بقدرتها على قيادة البلد على أي مستوى أخر. وهنا يجب الإشارة إلى تفصيل مهم جداً في السياق، ألا وهو قدرة النظام حتى اللحظة على إدارة مناطق سلطته بالحد الأدنى، وبالتالي فإن إدارة المعارضة يجب أن تبنى على أكثر من الحد الأدنى، رغم كل ما يقوم به النظام من محاولات تخريبية، فمعركة صناعة النموذج هي المعركة التي ستحسم الأمر على أرض الواقع، ولهذا فإن الكثيرين يعتقدون بأن ثورات الربيع العربي فشلت لأنها لم تقدر حتى اللحظة على صناعة النموذج الجديد المختلف.
المعارضة السورية، وعلى رأسها الائتلاف، وبناء على معطيات الواقع، وحركيتها في هذا الواقع، فشلت في صناعة أرضية لصناعة النموذج، فهي لم تمتلك الأرض، ولم تمتلك الأدوات، ولهذا كان إعلان السيد هادي البحرة رئيس الائتلاف الجديد عن أن خطته تقضي بنقل مؤسسات الائتلاف كلها إلى الداخل مهماً للغاية، ولكن هل تملك هذه المؤسسات بنية إدارية تمكنها من التعاطي مع الأرض؟
هنا ودون أن نستطرد، نسترجع حديثنا عن الموقف الكوميدي الذي ينقلب إلى مأساة في الواقع، ويكفي القارئ أن يستعيد معنا كمثال سيرة الحكومة المؤقتة، التي فشلت خلال 10 شهور من أن تنجز شيئاً على الأرض، وتحولت إلى حكومة تسيير أعمال منذ شهرين، دون أن يبت فيها، ويرفض وزرائها الاعتراف بمسؤوليتهم الأخلاقية والأدبية عن أفعال وزاراتهم. حتى يدرك هذا القارئ سر رغبة السوريين العارمة بمغادرة "المسرح" إلى بلدانٍ أخرى، كي لا يقتلهم هؤلاء الممثلون بسماجتهم ورداءة أدائهم.
مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة