كمال اللبواني وعودة سوريا من الأسطرة إلى الواقع

كمال اللبواني وعودة سوريا من الأسطرة إلى الواقع
القصص | 13 سبتمبر 2014

تأتي حادثة زيارة "المعارض" السوري كمال اللبواني إلى إسرائيل لتكشف الغطاء أكثر فأكثر عن سوريا كما هي: عارية بلا رتوش ولا إيديولوجية ولا تفخيم قومجي  أو إسلاموي، إذ تقول الحادثة الكثير خارج إطار التعاطي السطحي والانفعالي الذي وسم ردود أغلب السوريين.

لا يفعل الاستبداد (أينما حل) إلا قسر الجميع خلف رؤية واحدة، بغية احتكار فضاء الإيديولوجيا والقضايا، متاجراً بها، ليضبط المجتمع على إيقاع استبداده، فيبدو و كأنه لوناً واحد، لا يعكر صفوّه أي تنوّع أو رؤية مغايرة. فكل خارج عن رؤية السلطة هو منشق بحد أدنى وعميل وخائن بحد أعلى.

هكذا اختُصرت سوريا إلى "سوريا الأسد" و "قلعة الصمود والتصدي" و "قلب العروبة النابض"، بغية التغطية على القضية الكردية والتنوّع والحالة الطائفية والمذهبية التي كانت مستترة، إذ لم تكن الصفات تلك إلا ذهاب إلى الأسطرة التي تنفي واقع تتفاقم مشاكله.

الحكم الدكتاتوري فرض "استقراراً" بحد السيف، لأنه كان يدرك أن الحرية والديمقراطية تعني أول ما تعني وضع هذه القضايا على إطار البحث، مما يعني نزع أدوات الاستبداد ( مقاومة، ممانعة، بعد قومي، احتكار الطائفية). ولهذا فإن كل ما يقوله المجتمع في ظل سلطة كهذه لا يعدو أن يكون أكثر من تقية لتفادي بطش سلطة مستبدة، فلم يكن الأكراد يجرؤون على تخطي عتبة الجنسية والحقوق الثقافية في مطالبهم في حين نرى اليوم انفلاش المطالب الكردية بين انفصال وفيدرالية وإدارة ذاتية أو حكم ذاتي، ونرى توّزع السوريين بين دولة إسلامية أو مدنية أو علمانية أو دولة خلافة، و بين حل "توافقي/ طائفي أو ديمقراطي للأزمة السورية، وسنرى من اليوم وصاعداً اليوم بروز تيار "لحدي" قد يكون له استطالات عسكرية على الأرض في الجنوب السوري، فما يجري هناك لا يمكن أن تكون إسرائيل بعيدة عنه بأي شكل من الأشكال، وليس ظهور اللبواني بعيداً عن التحولات الجارية على الأرض.

هنا جاءت الثورة السورية لتنزع الأسطرة والرؤية الواحدة عن المجتمع الذي بات يعبّر عن نفسه كما هو، فتبيّن لنا أن المجتمع أكثر تنوّعاً وغنى من جهة وأكثر قابلية للانحطاط أيضاً من جهة أخرى، وأن مجتمع سوريا كغيره من المجتمعات، فيه المنحط وفيه المتسامي، فيه العميل الذي يبيع نفسه لأعدائه وفيه المناضل الحقيقي الذي يدرك قضيته ولا يحيد عن دربها... باختصار هو مجتمع كغيره من المجتمعات، قابل للتطوّر وقابل للانحدار، لا تجمعه صفات من نوع "العروبة" و" القومية" و " الوعي" فتلك أشياء تتطوّر وتنمو أو تنحدر وفق الشرط التاريخي الذي ينمو فيه الوعي السوري.

من هنا ما قام به "كمال اللبواني" هو عينة عن تيار وأصوات ستخرج قريباً للوجود في سوريا، وهي أصوات طالما كانت موجودة إلا أنها كانت تخاف من المجتمع والاستبداد، ولو قيّض للنظام السوري عقد اتفاق صلح مع إسرائيل لكنّا سنراه يحظى برعاية السلطة كما يحظى دعاة التطبيع في مصر والأردن وقطر وبعض دول الخليج برعاية السلطات.

إن الكشف والإضاءة على سوريا كما هي، خطوة متقدمة رغم كل ما تكشف من عيوب وانحدار وتشظي، لأنها ترينا المجتمع كما هو، فنغدو أكثر قدرة على الفهم والتحليل ومحاولة البناء والعمل من جهة، وهي تكشف من جهة أخرى أن سوريا بدأت تعود للواقع بعد طول إقامة في زمن الأسطورة القومية- الممانعة.

فإذا أراد "المقاومون، الممانعون" مقاومة ما قام به اللبواني فعلا، عليهم منذ اليوم أن يعدوا المشروع الوطني السوري الذي يربط بين المقاومة للعدو الإسرائيلي لاستعادة الجولان مع ضرورة العمل على ضوء القضية الفلسطينية وبين مقاومة المستبد، أي الربط بين الحرية والتحرر، قبل أن يعمل النظام على احتكار "المقاومة" مرة أخرى، وقبل أن يقوى تيار "الواقعية السياسية" فنهزم مرتين: على يد النظام وإسرائيل معاً.


مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق