تنشأ أي مقاومة، في البداية، كردةِ فعلٍ على وجود قوة تفرض إرادتها على إرادة واستقلال شعب آخر، وبمعنى أخر تنتهك كرامته، (حيث أن الكرامة تطبق من خلال: الاستقلال وحق تقرير المصير)، ولأن المقاومة ردة فعل في البداية، فإن أهدافها ووسائلها تكون غير واضحة، وتشبه "فعل" القوة الذي يتم ممارسته من المستعمِر/المستبِد، ولكي تتمكن المقاومة تحديد أهدافها وبلورة وسائلها لابد أولاً من البحث عن فعل القطع/ الفصل عن المستعمِر/المستبِد، بحيث تكفُّ المقاومة عن كونها ردة فعل على الاستعمار، لتصبح فعل تحرر من الاستعمار/الإستبداد، ولأن المقاومة فعل قوة، فإن هذه القوة لابد أن تظهر من خلال الوسائل التي تتبعها المقاومة.
وبغض النظر عن الوسيلة التي تتبعها المقاومة، فهو يحمل صفة "فعل قوة"، أي أنه فعل يسعى لإجبار المستعمِر/المستبد على رفع قوته/وصايته. وبالتالي فإن الوسائل في جانب معين تحمل جانب القوة، ومن جانب آخر محاولة للاستمرار في الحياة اليومية دون أن تتأثر حياة الشعب المقاوم.
والسؤال يكون عن الوسيلة الفعّالة التي يمكن من خلالها فرض الإرادة متمثلاً بالاستقلال وحق تقرير المصير، وفي ذات الوقت تحافظ على الهوية الإنسانية للشعب المقاوم من خلال المحافظة على الحالة العادية المألوفة، بمعنى عدم المساس بنمط الحياة اليومية، وهذا بالفعل يمكن تحقيقة من خلال "المقاومة الشعبية"، وهي بذلك قادرة على إحداث قطع/فصل عن المستعمِر/المستبد، أولاً: بسبب اختلافها عن أسلوب الاستعمار/الاستبداد وهذا يعني أنها ليست ردة فعل وتظهر ويمكن من خلالها دراسة معنى القطع/الفصل عن الاستعمار/الاستبداد، بل فعل تحرري قائم بحد ذاته. ثانياً: بسبب قدرتها في المحافظة على هوية إنسانية، والاستمرار بنمط حياة يومية، كان الاستعمار يهدف إلى المساس به بشكل أساسي. ثالثاً: قدرة المقاومة الشعبية على إظهار الجانب الإنساني للشعب المقاوم والتعرف في ذات الوقت على الهوية الإنسانية للشعب المستعمِر، بعيداً عن احتكار دولتهم للقوة وللعنف.
ولكن نشوء هذا النمط من المقاومة لا يعني أنه الوسيلة الوحيدة، ففي المقابل تظهر "المقاومة المسلحة"، وباعتقادي تسبق ظهور المقاومة الشعبية أو أي نمط من المقاومة بسبب أنها رد الفعل الأول على قوة الاستعمار/الاستبداد، اللجوء إلى القوة التي يستخدمها الاستعمار/ الاستبداد لأنه تظهر كأنها السبب في انتصاره. (انتصاره على ماذا؟) هذا السؤال الذي لا تفكر به المقاومة حين تكون ردة فعل ولا تتطرق لتحديد أهدافها، ويكون الانتصار هو التفوق في القوة والسيطرة على الشعب المستعمِر/أخذ مكان النظام المستبِد. والمقاومة المسلحة، وبسبب طبيعتها التي تحتاج إلى تغير نمط الحياة اليومية، لا تستطيع المحافظة على الهوية الإنسانية، لأن المشاركة فيها يعني بشكل مباشر تغير نمط الحياة اليومية، وهذا يعني سقوط أول أهدافها وهو الحفاظ على الهوية الإنسانية.
وأما عن الفصل/القطع، فإن ما يحدث في الحقيقة هو قطع/فصل مع الشعب المقاوم، بحيث تنفصل المقاومة المسلحة عن مجتمعها، بسبب عدم قدرة غالبية المجتمع لهذا النوع من المقاومة، وبسبب أن هذا النمط من المقاومة يفقدهم هويتهم الإنسانية، وبالتالي تنشأ المقاومة المسلحة في البداية من داخل فئات المجتمع المختلفة لكنها تنفصل فيما بعد عن مجتمعها، واعتقد أن هذا يسبب أيضاً اختلافاً في الأهداف. التي تتبلور في المقاومة المسلحة من خلال النظر إلى انتصار وقوة المستعمِر/المستبد، وليس من خلال السؤال عن جدوى المقاومة وأهداف الشعب المقاوم، بغض النظر عن الاستعمار/الاستبداد، وانتصاره أو هزيمته. فالاحكتاك المباشر بين المقاومة المسلحة وقوة المستعمِر/المستبد، تؤدي إلى اتصال مع الجانب للاإنساني من شعب المستعمِر، وبالتالي حتى الإطلاع على هوية شعب المستعمَر الإنسانية قد لا تكون متاحة.
الوقوف عند نقطة مهمة متعلقة بعدم استقلالية المقاومة المسلحة، حيث تنشأ بسبب طبيعة المقاومة المسلحة والحاجة إلى الأسلحة والتمويل للمقاومين ولاءات مختلفة لدول ربما أو لجماعات، وهذا بكل حال هو منافي لفكرة الكرامة القائمة على الاستقلال، فإذا لم تتمكن المقاومة منذ البداية أن تستقل، فلا يمكنها تحقيق هدف الشعب بالاستقلال.
هذا بالإضافة إلى إذا ما نظرنا إلى الإفراد في المقاومة المسلحة بعيداً عن الكتلة، نجد أنه يصبح داخل المقاومة المسلحة مجرد وسيلة، وسيلة قتل أو عنف أو تدمير، وهذا أكبر انتهاك لفكرة الكرامة القائمة على كون الإنسان هدف وليس وسيلة. وتأثير هذا على المجتمع حين يعود المقاتل إلى محاولته ليندمج في مجتمعه.
مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة