حين أصبحت هويّة البلاد "موضوعاً فنّياً"!

حين أصبحت هويّة البلاد "موضوعاً فنّياً"!
القصص | 06 سبتمبر 2014

شهدت الأيام الماضية جدلاً محتدماً في الأوساط السورية إثر قرار الائتلاف المعارض، وضع تسمية "الجمهورية العربية السورية" على وثيقة شهادة الثانوية العامة الصادرة عن وزارة التربية في حكومته المؤقتة، كما غيرها من الوثائق والمخاطبات الرسمية الصادرة عنه.

اللافت في الموضوع، الذي قد يبدو شكليّاً للوهلة الأولى، أنّه كاد يفوّت على الطلبة الناجحين مواعيد التسجيل في الجامعات. وقد عقد ياسر الزاكري، ممثل الائتلاف الوطني في مدينة غازي عنتاب التركية، مؤتمراً صحفياً لبيان الملابسات المتعلقة بذلك.

تصريحات الزاكري، والمعبّرة عن الموقف الرسمي للائتلاف، لم تضع حدّاً للجدل، بل لعلّها زادت الطين بلّة، بالنظر إلى تصاعد حدّة السجالات على صفحات التواصل الاجتماعي في إثرها، ولاسيما من جانب الأكراد الذين ذكرهم بالاسم بقوله إنه "واثق من سعة أفق الأكراد السوريين، وباقي القوميات، وحسن تفهمهم للمصلحة العامة".

وخلافاً لما ذكره المسؤول الائتلافي، ليس الأمر "موضوعاً فنّياً" فحسب، وإنما يعكس إشكالاً سوريّاً قديماً ومستجدّاً في آن. وإنّ إثارته تكشف خلفيات ونوايا أيديولوجيّة لدى الائتلاف وأقطابه من الإسلاميّين والبعثيّين السّابقين بشكل رئيسي، تثير هواجس تتعلّق بهويّة بلاد ذات تركيبة إثنية معقّدة، لم ينجح الائتلاف في التعامل معها وطمأنة جميع مكوّناتها.

لا تقتصر تلك الهواجس على الأكراد وحدهم، وإن كانوا الأكثر تعبيراً عنها، بوصفهم ثاني أكبر القوميات في البلاد عدداً. يزيد من حساسيّتهم سوابق التعامل السلبي من قبل الائتلاف حيال القضية الكردية عموماً. من ذلك صمتُه، قبل نحو عام، عن اتّخاذ أي موقف يدين هجمات كتائب إسلامية متشدّدة، ينتمي بعضها إلى "الجيش الحر"، على المناطق الكردية.

من الأخطاء الشائعة ربط تسمية "الجمهوريّة العربيّة السوريّة" بالحكم البعثي في حين أنّها لم تكن من صنعه، بل سبقت وصول البعثيين إلى السلطة. ومن المفارقات أنّ الجدل الحالي حول التسمية يتزامن مع ذكرى اعتمادها للمرّة الأولى، تقريباً في مثل هذه الأيام من عام 1961، خلال مرحلة "الانفصال".

ففي فجر 28 أيلول/ سبتمبر 1961، تحركت مجموعة ضباط سوريين بقيادة عبد الكريم النحلاوي، بهدف تحقيق الحكم الذاتي لسورية ضمن "الجمهورية العربية المتحدة". لم يرضخ الرئيس جمال عبد الناصر لمطالب الانقلابيين، ونظر إلى الأمر كعصيان عسكري محلي، وأصدر أمراً للجيش بقمع العصاة دون جدوى، بل انضمّت وحدات عسكرية أخرى إلى الانقلاب. فأعلنت مجموعة النحلاوي إنهاء الوحدة مع مصر والعودة إلى اسم سورية السابق "الجمهورية السورية"، وهو الاسم الذي كانت عليه قبل الوحدة، به استقلّت وشاركت في تأسيس الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. غير أنّ الحملات الدعائية المصرية ضدّ "الانفصاليين" واتّهامهم بالعداء للقومية العربية دفعتهم إلى تعديل الاسم ليصبح "الجمهورية العربية السورية"، لإثبات ولائهم للعروبة.

وإذ يحاول الائتلاف وجمهوره تبرير التمسّك باسم "الجمهورية العربية السورية" بأنه الاسم الرسمي المعتمد لدى الهيئات الدولية، وأنّ "تغيير اسم الدولة قرار سيادي، يجب أن يتم بموجب دستور دائم، ويتطلب وجود برلمان منتخب يضم ممثلين من كافة أطياف الشعب السوري"، فهذا يعني، من نفس المنظار، أنّ على الائتلاف الاحتفاظ بالعلم السوري الحالي، أو ما يصفونه بـ"علم النظام"، باعتباره العلم الرسمي المعتمد لدى الهيئات الدولية، عدا عن كون تغييره "قرار سيادي" أيضاً يتعلّق برمز البلاد، ويتطلّب الإجراءات نفسها التي يتطلبها تغيير اسم الدولة!

إنّ المطالبة بشطب صفة "العربية" واستخدام اسم "الجمهورية السورية" تعني العودة إلى التسمية الأصلية، ووضع حدّ للخطأ التاريخي المتمثّل بإلغاء عمومية الجمهورية عبر اختزالها بهويّة أحد مكوّناتها، وهذا يتنافى مع فكرة العمومية والحياد، أهمّ خصائص الدولة والتي بدونهما لن تكون دولة جميع مواطنيها بالتساوي.


مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة 

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق