على وقع فيتو روسي حول سوريا، وفيتو أمريكي اتجاه أوكرانيا، أخذت الأسئلة تثار هل مايجري هو عودة الحرب الباردة؟ أم هو عالم آخر مختلف؟.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، غاب الفيتو الروسي، أخذ مهندسو النظام العالمي الجديد يعملون على دعم دور منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حيث أشار بيان مجلس الأمن في عام 1992، على أساس احترام القانون الدولي والالتزام بميثاق الأمم المتحدة، يجب التركيز على شعارات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية وعودة اللاجئين، على اعتبار أن هذه القضايا ليست مسائل داخلية، بل هي جزء من الجهود التي سيبذلها مجلس الأمن لصيانة السلم الدولي.
على أرض الواقع برزت أمريكا كقوة عالمية كاسحة في عام 1990 أزمة الكويت، و 1992 تدخلت في الصومال ثم في افغانستان وبعدها في العراق استصدرت أمريكا القرارات في مجلس الأمن، لإضفاء الشرعية على تصرفاتها سياسة خدمت أمريكا في الهيمنة على منابع النفط. وتحكماً في الوثبة الإقتصادية الجديدة في كل من أسيا وأوروبا. وكسر محاولة تحقيق توازن بين العرب وإسرائيل.
أما روسيا التي اتجهت بنخبتها نحو الغرب لكن الغرب رفض دعمها، كان الغرب يريد روسيا ضعيفة، ساهم ذلك في تقوية التيار القومي بزعامة بوتين حتى وصل لقيادة روسيا بوتين أعطى أولوية لتحالفات اقتصادية وعسكرية مع دول الاتحاد السوفيتي المنحل كما أخذت روسيا تعقد تحالفات وصفقات مستفيدة من التناقضات الدولية، مع الصين واليابان والهند وإبران.
أما الغرب الذي نمت عنده نزعة الاستقلال عن أمريكا، لم يستطع بناء قوته العسكرية المنفصلة عن أمريكا رغم تطوير قواه العسكرية الذاتية بقي يسير تحت المظلة الأمريكية خاصة بعد التبشير الأمريكي ببناء الدرع الصاروخي تحت مسمى محاربة الإرهاب.
والذي أثار معارضة وقلقاً روسيا، عاد التوتر والحشد والتصعيد بين الغرب وأمريكا وبين روسيا من البوابة الأوكرانية، أمريكا تحشد في دول البلطيق وروسيا تعزز وجودها على الحدود مع أوكرانيا وتستقل القرم ، دون معارضة كبيرة من الغرب الذي يعزز تواجده في الجانب الآخر من أوكرانيا، ويبشر بدخولها الحلف الأطلسي.
القضية السورية تتطور ويتصاعد العنف، روسيا التي وضعت ثقلها دعماً للنظام بكل أنواع الأسلحة المتطورة، وامتلكت قاعدة عسكرية في المتوسط، على مرأى من أمريكا والغرب التي لم يمنعها شيئاً من تقديم الدعم للمعارضة السورية المسلحة.
في الحقيقة ما كان يمنع أمريكا والغرب من تقديم الدعم العسكري النوعي هو المصلحة في إطالة أمد الاقتتال لتحقيق أهدافاً استراتيجية منها: إضعاف النظام السوري وجره لمزيد من التنازلات التي توجت بتخلي النظام عن ترسانته الكيماوية.
وهدف آخر على جانب من الأهمية هو إضعاف حزب الله وإلهائه في حرب طويلة بعيداً عن الصراع مع إسرائيل، و ومن أجل إضعاف إيران واستنزافها وجرها للمساومة حول النووي الإيراني، وأيضاً إضعاف المعارضة والمجتمع السوري ليكونا رهينة لدى أمريكا والغرب.
كما كسبت أمريكا مد نفوذها العسكري في الدول المجاورة لسوريا، الأردن وتركيا حيث نصبت صواريخ باتريوت جزء من الدرع الصاروخي، وجاءت المسألة الأوكرانية، لتستغلها أمريكا في الضغط والمساومة و تدعم وجودها العسكري في دول البلطيق وفي أوكرانيا.
من سوريا إلى أوكرانيا حتى العراق مروراً بإيران وليبيا واليمن وأخيراً غزة، حيث نضجت الظروف لتوجيه ضربة موجعة للمقاومة الفلسطينية، فالدول العربية التي تساوم الغرب وأمريكا باستجداء، وحزب الله وإيران غارقين في المستنقع العراقي والسوري، وأعمال التدمير والإبادة التي تجري في الدول العربية دون تدخل ومحاسبة من المجتمع الدولي أعطت إسرائيل ضوءً أخضراً لأعمال التدمير والإبادة في غزة.
في الخلاصة نجد تشابكاً للمصالح وتوزيعاً المغانم بين روسيا وأمريكا والغرب على أساس كسب المواقع داخل البلد نفسه دون سيطرة قطب بمفرده بشكل مطلق يحكم ذلك المصالح الاقتصادية العالمية المتشابكة المترابطة والتبادل الذي وصلت إليه دول المجتمع الدولي.
كل ذلك يعد تجاوزاً للحرب الباردة السابقة لكن دون إنهاء الصراع والتنافس، وتأجيج التوتر على مسرح الدول الفقيرة. بناء عليه نجد أن أمريكا هي أكبر الرابحين من الصراع والاقتتال الدائر في مناطق مختلفة إن حالة العنف الدائرة تهيئ لها المناخ المناسب لتحقيق مشروعها الاستراتيجي في بناء الدرع الصاروخي تحت شعار محاربة الإرهاب، والعمل على جر روسيا إلى بناء قوتها الدفاعية العسكرية في مواجهة الدرع الصاروخي الأمريكي، واستنزاف قدراتها.
نخلص أن أمريكا كانت عاملاً في تاجيج الاقتتال في سوريا، لأن الموقف الأمريكي دفع المعارضة العسكرية المتشددة على التمدد على حساب القوى المعتدلة.
حيث أن القوى المتطرفة، تستقطب عناصرها في ظروف تخاذل المجتمع الدولي وعدم تطبيق القانون الدولي. لأن من صلب سياسة القاعدة محاربة الغرب، وبعد أن أعلنت الخلافة دولتها، تعمل أمريكا والغرب على استثمار ذلك لبث الخوف والذعر بين مواطنيها من الإرهاب القادم من الشرق، عبر مقاتلين من الغرب قاتلوا في سوريا وسوف يعودون.
والدول العربية الحليفة للغرب أخذ الرعب يدب في أركانها خوفاً من امتداد دولة الخلافة إليها وهذا يدفعها للارتهان أكثر وطلب الدعم العسكري ويفسح المجال لنفوذ أمريكا وقواعدها العسكرية.
إن المشروع الأمريكي لن يمر ويلقى الدعم إلا بتصعيد الاقتتال، وبالمقابل روسيا تستفيد من الاقتتال للتجارة بالسلاح المصدر الأساسي للتمويل لديها.
مقالات الرأي لا تعبر عن رأي روزنة بالضرورة انما تعبر عن رأي كاتبها.