يرتدي قبعة سوداء ويضع الإكسسوار الأمريكي في يده. بحوزته "غيتار حديث" غالي الثمن، يتجه نحو منزل تجمع فيه شباب سوريون يحلمون ذات الحلم ويلبسون نفس الملابس الغربية.
تدور نقاشات طويلة، في منزل مهجور بمدينة دير الزور، إحدى المدن السورية المحاصرة التي عانت كثيراً خلال سنوات الحرب، فهناك مشروع لتأسيس فرقة "راب سورية" تطمح لتقديم أغاني تعبر عن آلام السوريين ومواجعهم التي تزداد يوماً بعد يوم.
يجلس حمادة علوش ابن العشرين عاماً في حيه، يعزف أنغاماً حزينة على آلة موسيقية لا تفارقه إطلاقاً، وكأنها رفيقة له في أيام الحرب التي أتت على المدينة، فهجرها نصف سكانها، هرباً من الموت والمرض.
" كان الدمار ملهماً" كلمات قالها حمادة في بداية حديثه لروزنة، واصفاً ما جرى في مدينته دير الزور: "أردنا إيصال رسالة للعالم لكي يرى إنسانيتنا، أطلقنا الراب في وقت تتطاير فيه الرؤوس في كل مكان".
قدم علوش ورفاقه ألبوماً غنائياً كان الأول من نوعه في مجال " أغاني الراب السوري"، وهو اللون الذي انتشر في الآونة الأخيرة بكثرة، كوسيلة تعبير سريعة عصرية، عما يشعر به الشبان السوريين.
سرعان ما انقلب الموقف، فاعتقل البعض وهاجر البعض الآخر، وتوفى اليوم من كان عضواً في فرقة "RAB" اليتيمة في سجون النظام السوري.
في لحظة ما، وبينما كان الشاب يعاني من ضائقة مادية مرت بعائلته، جاء رجل يرتدي ملابساً سوداء، ويطلق لحية طويلة. كان يقود سيارة ترفرف عليها راية سوداء، قابل هذا الرجل الشاب المغني في إحدى المقرات وأعطاه مبلغاً من المال، وعرض عليه الانضمام إلى كتيبته. حمل حمادة السلاح ورمى الغيتار بعيداً. شارك الفتى الشاب في أكثر من معركة لم يعرف أهدافها، "اقتحمنا عدة قرى سورية، كان هناك من سرق المال ومعامل الغاز وهناك من قتل دون رحمة، شهدنا الإعدامات الجماعية، حاربنا طيلة عام كامل".
ويضيف: "أصبت مرتين بطلق ناري، ارسلتني جبهة النصرة إلى مشافٍ تركية للعلاج، تقاضيت خمسون ألف ليرة سورية لقاء هذه المعركة، لكني دفعتها لصور الرنين المغناطسي وتكاليف العملية.. كنت على صلة قوية مع قيادي كبير، فكان حظي جيداً وتعالجت حتى الشفاء الكامل".يعيش الشاب الآن في المخيمات التركية على الحدود السورية وحيداً، بعدما رفض الاستمرار في القتال، عاد ليرتدي نفس ثيابه القديمة.
يضع سماعات الموسيقى في أذنيه، ويتجول ليلاً في الشوارع، باحثاً عن وسيلة هروب إلى دول أوروبا بعيداً عن المعارك، "شراسة المعارك أطلقت الشياطين داخل كل سوري، عشرات الشباب ماتوا في معارك الدولة الإسلامية دون أي سبب، هل كانت معركة الكرامة فعلاً؟".
يتصل به ذاك الرجل من جديد، عارضاً عليه القتال في حلب هذه المرة، في مدينة إعزاز تحديداً، ويقول له بالحرف:" خذ السلاح والعتاد كيفما تشاء لكن عد لنا"، فيغلق حمادة الهاتف رافضاً الاستمرار في الحديث.