نازحون يبحثون عن أبوابٍ للرزق

نازحون يبحثون عن أبوابٍ للرزق
تحقيقات | 08 أغسطس 2014

علي الجبلاوي - اللاذقية ||

الوقت بالنسبة لأميرة مضبوطٌ وفق ساعات عملها، فهي تبدأ في السابعة صباحاً في حقول البرتقال وتنتهي في الخامسة مساءً. تعود لإطعام أطفالها وأطفال ضرتها، ريثما تعود والدتهم التي تعمل هي الأخرى كمستخدمةٍ في أحد المستشفيات.

أميرة، سيدة أربعينية من ريف إدلب  وهي الزوجة الثانية لرجلٍ متقدمٍ بالسن، اضطرت للفرار مع أسرتها من القرية، عند دخول جيش النظام إليها، وجدوا منزلاً في منطقة مسبح الشعب التابعة للرمل الفلسطيني، وسكنت فيه مع ضرتها وأطفالهما وزوجها العجوز.

ونظراً لعجز الزوج، اضطرت الزوجتان للعمل لتأمين قوت أطفالهما، أنجبت أميرة توأم بنات بعد قدومها للاذقية، ونتيجة للبردٍ القارس الذي حل هذا العام في سوريا، ولعدم قدرتها على تأمين التدفئة، فقدت إحداهن نتيجة البرد، "تمنيت لو لم أنجبهن، لا أعلم إن كنت مذنبةً بإحضارهن لهذه الحياة!، كيف سأقدر على تأمين الطعام والغذاء لهن ولأطفالي البقية!، ستطول الحال بنا هكذا ولكنني أتأمل رحمة رب العالمين".

أميرة ليست الوحيدة، فكثيرٌ من النسوة اللواتي نزحن مع أزواجهن وعوائلهن إلى اللاذقية، بدأن العمل ولأول مرة في حياتهن، إن كان الزوج قادراً على العمل أم لا.

مريم مثالٌ آخر، توفي زوجها في حلب أثناء قصف طيران النظام الجوي، فهربت بأطفالها إلى اللاذقية وبدأت بالعمل، ودون أن تدري تحولت لرب المنزل ومدبرة وكل شيء، تعمل في النهار كمدرسةٍ في أحد معاهد التعليم، ثم تعود وتعطي دروساً خصوصية في مادة اللغة الانكليزية.

   

نعم أنا مهندس، وخضرجي!!

كثيرٌ من النازحين في اللاذقية تركوا وظائفهم وأعمالهم، أملاً في عمل أفضل بالمدينة، بسام مهندسٌ زراعي كانت له وظيفة ثابتة في حلب، وبراتبٍ شهريٍ جيد، كما كان لديه أرضٌ يستثمرها ويجني منها ما يعيله وعائلته.

عند بدء القصف الجوي لطيران النظام، على ريف حلب خسر في البداية أرضه، وعند انتقال المعارك لحلب المدينة، اضطر لترك حلب والنزوح للاذقية مع عائلته، التي تتألف من زوجته وأطفاله الخمسة.

وبحكم صعوبة الحصول على موافقة نقله من حلب إلى اللاذقية، بقي بسام أكثر من عشر شهور لا يتقاضى راتبه، فاستأجر متجراً وبدأ ببيع الخضار والفواكه.

"مضحكٌ هو الأمر، أن أنتقل من الإشراف على أراضٍ زراعية واستثمارها، لأن أكون بائع خضراوات، لكنه الزمن القاسي والحرب التي ستأكلنا جميعاً".

   

والأطفال غدوا معيلين لأسرهم

تحول بعض الأطفال النازحين، إلى مسؤولين عن أسرٍ بكاملها، وكثيرٌ منهم ترك الدراسة وانطلق إلى الشارع، وتقدر نسبة الأطفال النازحين المتسربين من المدارس بالنصف تقريباً، ففي شوارع اللاذقية تجد هؤلاء على الأرصفة يبيعون العلكة أو البسكويت، أو المحارم الورقية، وأي شيءٍ خفيفٍ يباع معهم خلال تجوالهم في الشوارع، أو قد يلجأ أحدهم للتسول كونه لا يملك مالاً ليشتري مواداً تجارية يبيعها ويسترزق منها.

حمودة الطفل ذو العشر سنوات يتجول يومياً في شارع 8 آذار، الواقع في مركز مدينة اللاذقية، يحمل صحناً عليه "تفاحية"، يصنعها له والده يومياً ولا يعود لمنزله قبل أن يبيعها كلها، وإلا فحمودة سيتعرض لعنف منزلي، لذلك تراه أحياناً نائماً في الشارع يلف قدميه إلى يديه من شدة البرد.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق