العقائد المتضاربة و المجتمع الجديد

العقائد المتضاربة و المجتمع الجديد
القصص | 05 أغسطس 2014

تنغلق الجماعات الدينية في مجتمعاتنا، على عقائدها المتضاربة. و يحدث الانغلاق بطريقة يستحيل كسرها، لكونه يتشكل من بنية شديدة القساوة و المطاوعة معاً. فمادتها الأساسية هي المقدس، كمكون يستحيل تقحمه أو حتى الاقتراب من منطقة التشكيك فيه. و هو أمر ينسحب حتى على رموزه المادية( مثل الأضرحة و المواد التي تعود لرجال رُفعوا فوق مستوى البشر- شعرة النبي مثال)، و الرمزية من قبيل النصوص و الأقوال.. التي تستمر قراءتها دهوراً بعد دهور. 


و هذه الرموز تكرّس في الناس، منذ الطفولة.. إذ يماهي البشر بينها و بين القوة الخفية الأعظم( الخالق)، أو يجعلونها قوة تتوسط بينهم و بينه. و بالتالي ينسبون إلى طبيعة علاقتهم بها، ما يصيبهم من خير و شر. مكرّساً إيماناً ينشأ باكراً، و يمسك في الأحاسيس و العقل و الوجدان، عبر ما يدخل في بنائه، من الأحلام .. و ما يكسبه من رهبة عبر الكوابيس. و كهذا تنمو في الجماعات البشرية مقدسات متضاربة، تشمل مع العقائد، طيفاً واسعاً و متشابكاً من المواقف و الانحيازات و العلاقات.. وما يضفى عليها من معانٍ و دلالات الكفر و الإيمان- التي تستلزم لاحقاً مواقف متعادية للمختلفين. 

هذا النوع من الإيمان الذي يكاد يكون فطرياً( عبر تدخله في الفطرة)، نظراً لعدوانية الكبار على الصغار، في تلقينهم الدين قبل تعلّم الكلام، و عبر مراحل تشكل المعرفة كافة. يفسّر لنا مثلاً كيف يبقى همّ طالب العلم، في البلدان المتقدمة( و الذي يفترض أنه من النخبة التي سيؤول إليها قريباً قيادة البلد و المجتمع)؛ يبقى همه الأول هو التواصل باستمرار مع مرجعياته الدينية في البلد الأم.. و غالباً يكون الهمّ محصوراً في قشور- هي بالنسبة له جوهر الوحود- من مثل الحلال و الحرام. بدءاً من الطعام و انتهاء بالتعاملات البنكية، مروراً بالعلاقة مع الجانب الآخر. و تصبح أولوياته رهناً بمسبقاته العقيدية: تقويها و تتقوى بها. 

هذه الرؤوس العصية على العلم و المعرفة و كافة آليات التفكير العقلاني؛ لا أمل في استجابة واعية طيعة منفتحة لها على الرسائل التي تصلها، و منها- بل أولاها- دعوات إصلاح الدين. و لا محيد عن إنزال القرارات عليها من عل. و ذلك عبر جهاز مستورد، من القوانين المتكاملة. قوانين موفورة في البلدان المتقدمة، تكفل الأسس الأولى لتحييد سلطان الدين عن السلوك الفردي الحر ، لكن و نظراً لاستحالة تدخل هذه المنظومة العقلانية في التربية المنزلية. و هو أمرٌ مرفوض أساساً، تكفل القوانين في البلدان الديمقراطية حمايته ضد الاختراقات و التدخلات الخارجية. و قد تمت تجربته و أثبت فشله في البلدان الشيوعية. 

لذلك ينبغي أن تُولى أهمية قصوى لعلمانية العملية التعليمية، بالدرجة الأولى. و تُطلق طاقات الفكر الحر، و يوفر للإعلام أوسع مساحة من حرية التعبير.. و توضع بين يدي المجتمع المدني أكثر القوانين مرونة أمام التشكيلات التي يخلقها، و الأعمال التي ينشرها، بما يتناسب و رغباته المكبوتة و حاجاته المصادرة. و ينظم كل خطوة من خطوات التغيير، تمسّكٌ بالمساواة بين الناس، من كل الطبقات و الخلفيات العقيدية و العرقية.. على نحو يستقطب ثقة و تأييد أكبر نسبة من المجتمع و قواه الحية.. و خاصة القوى الفتية.. بما يتيح لجيل الشباب التواصل مع الجديد في العالم، و التعاطي معه بندية و ثقة، تتيح لهم استثماره و توريده و نشره. و في هذه الملحوظة الأخيرة، يمكن أن نأمل بإعطاء دفعات قوية لقيم الحداثة، التي تتنافس الحضارات البشرية للإضافة عليها كل يوم؛ للتخلص شيئاً فشيئاً من القيم الموروثة، المثقلة بأشكال العنصرية.


مقالات الرأي لا تعبر عن توجهات روزنة 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق