تعتبر منطقة أبو قبيس في ريف حماة، مركزاً لتجمّع المقاصف والاستراحات الليلية. وقد تجاوز عددها في فترة سابقة الخمسين مقصفاً.
أثّرت الأحداث الأخيرة في سوريا بشكل سلبيّ على عمل تلك الملاهي الليلية، و تناقص عددها الآن إلى خمسة عشر مقصفاً. كان أهم روّاد ملاهي أبو قبيس من الخليجيين، ومع اشتداد الأزمة في سوريا انقطع الخليجيون عن القدوم إليها، لأنّها منطقة موالية للنظام السوري، ويخشى هؤلاء من ردّات فعل الموالين، لذلك حوّلوا وجهتهم إلى لبنان و مصر. وكان شباب ريف حماة أيضا، من مرتادي الاستراحات والملاهي في أبو قبيس. وانقطعوا عن المجيء لنفس الأسباب.
مقاصف "الشبيحة"
لا يرتاد الموظف السوريّ أو متوسط الدخل المقاصف، بسبب غلاء المعيشة، والخوف المسيطر على الجميع. فاقتصر زبائنها على "الشبيحة". وصار من الطبيعيّ أن يشهر أحدهم سلاحه ويطلق النار في الهواء، معبّراً عن بهجته، أو للتعبير عن غضبه في حالات أخرى، عندما لا يعجبه برنامج المقصف الفني مثلاً، فيسارع صاحب المقهى لتلطيف الجو، وتطييب خاطر المسلح الغاضب.
نشبت عدة مواجهات بين "الشبيحة" أنفسهم، حدث ذلك عندما قام أحدهم بسرقة محفظة النقود لآخر في مقصف "جنّة الوادي"، فتحوّلت السهرة الى معركة دامية، تم فيها استخدام معظم الأسلحة التي كانت بين أيدي "الشبيحة"، وجرح عدد منهم. وعلّق أحد الموجودين على ذلك قائلاً "صرنا نترحم على أيام شيخ الجبل محمد الأسد".
بطالة..
تقول الفنانة لوسي: "كانت المقاصف بالنسبة لي مصدر رزق، كنت أتقاضى ثلاثة آلاف ليرة في الليلة الواحدة". فقدت لوسي عملها اليوم، وهي تبحث عن فرصة عمل مشابهة، وقد تلقت أكثر من وعد أن تعمل في دولة خليجية أو في لبنان أو مصر. وهي تنتظر في بيروت على أمل أن تتلقى الدعوة الحقيقية للعمل.
يعتبر عازف "الأورغ" وسيم، أن حال المقاصف في أبو قبيس كحال مثيلاتها في سوريا، بل كحال البلد بشكل عام. لا أمان ولا استقرار.
وسيم أيضاً فقد عمله كعازف في أحد مقاصف أبو قبيس، ولم يتمكن من العثور على عمل جديد، وهو يفكر بشكل جدّي في ترك الموسيقى و الانتقال إلى عمل آخر.
أما سائق "السرفيس" فراس الذي كان متفرغاً لنقل الفنانات وبعض زبائنهن الخليجيين من مقصف لآخر، فقد ترك عمله وعاد لتجارة الخضار في سيارته.
يقول فراس: " فرق الأجرة بين العملين كبير جداً، كالفرق بين روائح عطور الفنانات ورائحة البصل الذي أتاجر به الآن".
جنون الرقص!
سمارة التي تركت أهلها وأصبحت راقصة. تعتبر أنّ "الرقص مهنة قديمة، مهنة حاولت التوفيق بين خصوبة الطبيعة وخصوبة الأنثى. ولكن في الحرب تختلف الأمور".
لا تشعر سمارة بالخجل من مهنتها، ولكنها اليوم ترفض الرقص، لأنّها فقدت أقرباء لها في الحرب المتواصلة. وهي تعتبر أنّ لها قلباً مثل الآخرين وتحزن مثلهم، وتبكي.