لا تعوّلوا كثيراً على أوباما .. وهذه هى الأسباب!

لا تعوّلوا كثيراً على أوباما .. وهذه هى الأسباب!
القصص | 01 أغسطس 2014

 عندما جاء باراك أوباما إلى سدة الحكم فى الولايات المتحدة إستشعر كثيرون فى حينها أن تغييراً جذرياً قد تشهده السياسة الأمريكية والعلاقات بين أمريكا ودول العالم، واهمون بأن أوباما سيكون مختلفاً تماماً عن سابقيه ــ وخصوصا عن سابقه " جورج بوش الابن "ــ وبدأت الأحلام تُنسَج حول دور الدولة الأكبر نفوذاً فى حل النزاعات و إحلال السلام وبداية عصر جديد لهذا العالم، عبارات الرجل وخطاباته دائما ما كانت براقة؛ فبات الكثير من شعوب الأرض يتابعون الإنتخابات الأمريكية والتى أتت به رئيساً وكأنها تتم على أراضيهم وليس على أرض دولة أخرى بعيدة كل البعد عنهم، إحتفلت بعض الشعوب بفوز أوباما، وسعد الكثيرون من العرب بذلك، وقد زادت فرحتهم عندما إختار أوباما مصر كي يوجه منها رسالة إلى العالم الإسلامي، وتفاءلنا خيراً عندما إستخدم حينها كلمات عربية ليحيي بها الحضور في جامعة القاهرة، يبدو أن تغييراً حقيقياً قد حدث. حصل أوباما على جائزة نوبل للسلام، فى وسط إستغراب شديد من كثيرين، إذ أن الرجل لم يحقق أى سلام فى أي بقعة من بقاع الأرض، وحصوله على الجائزة كان لمجرد نواياه الحسنة لتحقيق السلام فى العالم!، وقف أوباما دائماً موقف غير واضح من القضايا والأزمات العالمية، يسحب قواته من العراق وأفغانستان لكنه يظل متحكماً في الدمى الحاكمة التى نصّبَها و ضَمِنَ ولاءها له قبل رحيل قواته، لاحقاً تقوم ثورات الربيع العربي، فيغيب الموقف الأمريكى طويلاً، وعندما يخرج المتحدث باسم البيت الأبيض يلقي بتصريحات مُبهمة وخجولة، لا تستطيع معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة تناصر الحاكم المستبد ونظامه أم الشعوب الثائرة؟!، ظهر هذا جلياً إبان ثورة 25 ينايرالمصرية، حيث ظهر الموقف الأمريكي متردداً بين القبول بثورة قد تفرز حكاماً يخرجون عن طوع أمريكا أم مناصرة النظام القائم والإبقاء على حسني مبارك بغض النظر عن فساده وإستبداده، طالما أنه يحافظ على مصالحها. الأمر ذاته تكرر مع الثورة السورية، فعلى بساط مختلف نسبياً تتشكل معالم همجية وتصاريح عنجهية صادرة من ساسة أمريكا، لكنها لا تنتج إلا حلولاً متقزمة ضئيلة الحجم عديمة الإمتلاك لعوامل الفاعلية والتنفيذ، يرسم أوباما خطأ أحمر لنظام الأسد.. لكن الأسد يتخطاه بمراحل متجاوزاً كل خطوط ألوان الطيف، وللأسف فإن كثيرون مازالوا متعلقين بأوباما منتظرين أن يخرج بموقف واضح من الثورة السورية، فهو يمجّد الثورة.. لكن يبدي خشيته من إنتصارها، يستنكر أفعال النظام ولا يحرك ساكناً لوقف المجازر، بإستثناء تصريحات الشجب والإدانة مع قليلٍ من القلق والإستنكار! لا يجب أن ننسى أوباما الذي تحدث فى آواخر 2011 عما يدور على الأرض السورية قائلاً : "أحداث الستة شهور الماضية أظهرت لنا أن إستراتيجيات القمع لن تنجح"، وهو ما دفعه إلى توجيه إدارته لتبني مبادئ جديدة تقوم على دعم الحقوق العالمية وتشجيع التحولات السياسية والإقتصادية ومناهضة العنف، لكن أين هذا التشجيع أو ذاك الدعم؟!، أين "الخط الأحمر" الذى رسمه أوباما عندما إستخدم الأسد أسلحته الكيماوية ضد الأبرياء؟!، وأين الضربة العسكرية المحدودة والمؤثرة التى سيتم توجيهها إلى قوات الأسد كعقاب على إستخدامه للكيماوي؟، وأين الأسلحة النوعية الحاسمة التى سيتم تزويد المعارضة السورية بها لتحقيق النصر للثورة أو على الأقل لمساواة ميزان القوى مع قوات النظام ؟ لا تعولوا كثيراً على أوباما، تصريحاته غير صادقة دائماً، ووعوده مجرد كروت يقذفها في الهواء، ولا حرج إن قلنا أن مصداقية الوعود الأمريكية لا وجود لها، خاصةً عندما تصطدم بواقع يجب إحترامه يُسمى "المصالح "، الأمريكان يجيدون لعبة التنصل من وعودهم، فمثلاً معتقل "جوانتانامو" ما زال مفتوحاً؛ ألم يكن من بين وعود أوباما أنه سيغلقه؟!، فحتى عمليات التصفية بواسطة الطائرات بدون طيار تسجل إرتفاعاً متزايداً مع كل يوم في ضحاياها سواء فى باكستان أو اليمن أو أفغانستان، ألم يثير هذا ضجة كبيرة وعلى إثرها أعلن أن طلعاتها ستكون للمراقبة فقط، وأخيراً وليس آخراً ما تم الكشف عنه بأن الإدارة الأمريكية تتصنت على العالم أجمع، أليس هذا ضد المبادئ والأخلاقيات التى تتدعيها الدولة الأكثر تمسكاً بالديموقراطية للدرجة التى تجعلها تخوض معارك عسكرية وتفرض الحصارات بداعي نشرها ؟! لا تعولوا كثيراً على أوباما، فعبء إدارة العالم أكبر من قدراته، والإقتصاد الأمريكى قد بات منهكاً، أوباما مشغول بملفات أخرى أكثر أهمية: المشكلات الداخلية في بلده.. الأزمة الاوكرانية والمواجهة مع الروس.. صعود التنين الصيني.. الأزمة النووية لإيران وكوريا الشمالية، أوباما أعلن أكثر من مرة أنه لن يقحم جنوده في أي حرب جديدة، صحيح أن أمريكا يمكنها سحق أي نظام.. لكن المشكلة تبدأ في صباح اليوم التالي؛ مشكلة بناء نظام جديد وبديل، هذا بخلاف أن الذين يطالبون أمريكا بإقتلاع هذا الدكتاتور أو لجم ذاك المستبد هم أنفسهم من يطلون لاحقاً رافضين وثائرين ضد الهيمنة الأمريكية. إن تعامل أوباما وإدارته مع الثورة السورية لا تتحكم فيه المشاعر ولا يتم بشكل منعزل عن قضايا أخرى، فأمن إسرائيل أولوية دائمة فى أي حل سواء دبلوماسي أو عسكري، وأي ضربة عسكرية يتم دراسة فاتورتها وكيفية سدادها، ومؤخراً طلب أوباما من الكونجرس تخصيص 500 مليون دولار لمساعدة المعارضة السورية المعتدلة؛ مساعدة متأخرة .. لم تكن لتأتى لولا أنه إستشعر خطر إنتشار الجماعات المتشددة وتوسعها، لقد أوضح أوباما في خطاب له حول الأزمة السورية فى سبتمبر 2013 أن : "بلاده ليست شرطي العالم، ولكنها توظف جهودها لإنقاذ الأطفال من الموت، ومن هذا المنطلق تتصرف الولايات المتحدة الأمريكية"، فالإدارة الأمريكية ليس لها موقف ثابت من الأزمة السورية وإن إدعت أنها تناصر الثورة، ولعل هذا ما دفع الأمير(تركي الفيصل) ليشن هجومًا على أداء إدارة أوباما بشأن ملفات المنطقة، عندما قال: "إن الرئيس أوباما يتصرف حيال سوريا بطريقة تبعث على الأسى" . من الواضح إذن أن مصالح أمريكا هي التي تفرض عليها سياستها وليس المبادئ، فالمبادئ للحديث والمصالح للتنفيذ، إذن دعونا نعود للحظة إلى واقعنا ولا نعلق أمالنا على هذا الرئيس أو ذاك، إذ من المؤسف أننا بقينا طوال السنوات الماضية نعلق الأمال ونرسم الخطط بناء على من سيحكم أمريكا أو غيرها من الدول الكبرى، فكل لحظة تمر تزداد المآساة السورية، و تكون سوريا هي الخاسرة دائماً إذ تطول سنوات ثورتها، وتبقى الثورة فى دائرة التبعية لحكام الغرب وسياساتهم المربوطة بمصالحهم، إن السياسة الغربية لن تتغير أبداً؛ فالثوم لا يفقد رائحته حتى لو غُسِلَ بماء الورد!


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق