يظهر دوماً في صورةِ الرجلِ الأنيق ويحاول دائماً أن يتحدث كمتحدث لبق، بملامح وجه لا تحدد بالضبط حالته المزاجية وبعينين زرقاوين وبنية جسدية نحيلة و طوله الفارع يظهر بشار الأسد طبيب العيون كشخص وديع وهادئ يصلح كطبيب نفسي أيضاً لتهوين أوجاع المرضى، إلا أن النية لا تتطابق بالضرورة، لا فى السياسة ولا فى الطب، ففي الواقع سنجد أن الأسد حاكماً مستبداً، هو دكتاتور فى بزة مدنية أنيقة على أحدث الطرازات الغربية، ورغم كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة إلا أنه قليلاً ما يظهر بالزي العسكري، مخالفاً الصورة النمطية التى تعودنا عليها من أقرانه العرب، القابعين فى سدة الحكم لعقودٍ مضت.
يمكن إعتبار بشار رئيساً بالصدفة، أو كما عودتنا وسائل الإعلام الرسمية بأنه "رئيس الظروف الصعبة"، مات الأب .. فعقمت الدولة على تنجب رئيساً يحكمها سوى ابن الحاكم!، في عام 1994 وإثر وفاة "باسل الأسد" في حادث سير قرب دمشق، والذي كان يتم إعداده لتولي الحكم بعد الأب حافظ الأسد، يعود بشار من لندن إلى سوريا، ليأتى العام 2000 حاملاً معه وفاة الأب، فيرث الابن الحكم فى سوريا الجمهورية، وليست المملكة!، يفتح بشار باب الحرية بحذر لشعبٍ متعطش إليها منذ سنوات، لكن سرعان ما يغلقه بسرعة فيما عُرِفَ بــ"ربيع دمشق"، إلى أن أتى "الربيع العربي" حاملاً نسائم الحرية والتحرر لبلدان الجوار العربية، فنهض الشعب السوري يطالب بحريته وكرامته، فما كان من الأسد سوى إستخدام القوة لقمع المظاهرات، فتتحول الثورة السورية إلى ثورة مسلحة مازالت أحداثها دائرة حتى اللحظة.
على مدى سنوات الثورة، ظلت المعارضة السورية تناشد المجتمع الدولي بأن يتجاوب معها بالشكل الذى يساهم فى إنجاح الثورة وتخليص سوريا من محنتها، إلا أن التخاذل الدولي كان هو المقابل، والصمت على المجازر والجرائم كان هو الرد بإستثناء بعض عبارات الشجب والإدانة وأحيانا القلق والإستنكار، في هذا الإطار دخلت جماعات مسلحة متطرفة إلى الداخل السوري، بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة وبعضها من صًنع أجهزة المخابرات الإيرانية، نمت قوة هذه الجماعات.. حتى أن الأسد قد سهّل دخولها وتوسعها و ربما ساهم في صنع بعضها، حتى يحظى حديثه عن محاربته للإرهاب بالمصداقية أمام المجتمع الدولي، ذاك المجتمع الذي فضّلَ أن يظل متفرجاً على جرائم الأسد ومجازره.
قرأت فى كتاب "اللغة والأدب" أن (الحكيم) هو طبيب العيون بخاصة، وأن علم الحكمة هو علم الطب والكيمياء، إلا أنني لا أجد بين طبيب العيون "بشار الأسد" وبين الحكمة أي علاقة، فليس بينه وبين الطب سوى الشهادة الجامعية بعد أن تجرد من كل أخلاقيات المهنة، وليس بينه وبين الكيمياء سوى أنه إستخدم السلاح الكيماوي لإبادة شعبه، فالأسد ببساطة "دكتاتور" وليس "دكتور"، وهذا ليس كلاماً مرسلاً، فعندما بحثت عن أصل كلمة "دكتاتور" .. وجدت اسم "بشار الأسد" فى الموسوعة الحرة "ويكيبديا" ضمن قائمة الدكتاتوريين الّذين لا يزالون حالياً في السلطة!
يظل الأسد متفرداً، لا يشبهه أحد من الدكتاتوريين والطغاة، فمن الظلم تشبيهه بآخرين، أمثال بيدل بوكاسا - إمبراطور أفريقيا الوسطى أو الأوغندي عيدي أمين، أو ياروزلسكي - بولندا، أنور خوجا - ألبانيا، دوفالييه - هاييتي، ميلوسوفيتش – يوغسلافيا وطغاة أمريكا اللاتينية، والطغاة العرب الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي، فهم مجرد هواة بالنسبة له، فكثيرُ منهم لم يتسع له الوقت لإرتكاب ما ارتكبه الأسد، ولم يسعفه صمت المجتمع الدولي لإرتكاب ما إرتكبه الأسد في تلك الفترة الوجيزة.
فحتى الانتخابات الرئاسية التى أجراها الأسد كان الهدف منها هو إرسال رسالة واضحة إلى العالم مفاداها "أنا الرئيس ، وسأظل رئيساً" ، ففي كثير من دول الإستبداد يعتقد بعض الأشخاص أنهم خُلِقوا ليحكموا، إن لم يحكموا دولة متماسكة فلا بأس أي يحكموا جزءاً منها يسيطر عليه أبناء ملتهم، المهم ألا يعودوا إلى البيت أو ينزلوا من أبراجهم لممارسة السياسة من الأرض التي إنقطعوا عنها لسنوات، ولأن الأسد لا يرى نفسه إلا رئيساً فإنه كان مستعداً من البداية لخيار إستخدام القوة العسكرية ضد شعبه، فعل بشار ما لم يفعله أحد من نظرائه العرب .. أنجب الكثير من الجنازات، والعديد من الأرامل والأيتام والمشردين.
في البدء كان العدل .. وفي النهاية أيضاً سيكون، قال القدماء "الدنيا بلا عدل، كالنهر بلا ماء"، ولأن التاريخ السوري قد ساد فيه الظلم لعقود مضت وكشر عن أنيابه وبات يقضم أمن البشر و ينهش أمانهم، فإن قصة تحول "الدكتور" إلى "دكتاتور" ستكون من القصص التى ستُنحت على الصخر .. إنها قصة رجل وَرِثَ بلداً وصار القائد الوحيد، لا معارضة لتردعه، ولا مؤسسات لتلجمه، إستباحة كاملة من الوريد إلى الوريد.
لكن مهما طال الليل وإشتدت حلكته وتأخر فيه بزوغ فجر العدل و الحرية ، ستظهر الصورة أمام المجتمع الدولي ــ دون شك ــ أكثر بشاعة عندما تتوقف المجزرة وينجلي الغبار وتتحسن رؤية من على أبصارهم غشاوة.
مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن توجهات روزنة