أعلنت وزارة المالية عن مسابقة توظيف في الضابطة الجمركية، وتقدم للمسابقة آلاف الشباب السوريين بينهم حملة شهادات جامعية. تم قبول 3آلاف منهم. وهو أكبر رقم يتم قبوله في مسابقة خاصة بهذا القسم. كان الطمع بالثراء السريع هو الدافع الأساسي لغالبية المتقدمين، لأن عنصر الجمارك الذي يعمل في النقاط الحدودية، يتلقى رشاوى بمبالغ كبيرة جدا، لقاء سماحه بتسهيل حركة التهريب عبر الحدود.
مفاجأة الأمن
لكن المفاجأة كانت خلاف توقعات المتقدمين من الشباب. فقد تم جمعهم في مركز سوق الجنود. وأعلن الضابط المسؤول، أنهم سيلتحقون بالحرس الجمهوري، للمشاركة بالقتال على الجبهات، وذلك بسبب الأزمة التي تعيشها البلاد، وعند انتهاء الأزمة، والقضاء على الإرهابيين، سيعودون الى الجمارك.
يقول "وضاح" أحد المتقدمين إلى المسابقة: "كانت صدمة كبيرة لنا، فنحن لم نتطوع من أجل الحرب، لذلك انسحبت من المسابقة مع عدد من الأشخاص. وأنا الآن في قريتي لا أجرؤ على التنقل. لقد اعتبروني في أجهزة الأمن السورية وفي شعب التجنيد أني متخلف عن الخدمة الإلزامية، وهذا له حساب آخر".
تاريخ مجيد
كانت أبواب السماء تفتح لمن يتطوع في الجمارك، فخلال سنوات قليلة تظهر علامات الثراء الفاحش. أحد المتطوعين في سلك الجمارك تقدم لخطبة فتاة واشترى لها ذهباً بأكثر من مليون ليرة سورية حين كان الدولار يساوي 45 ليرة سورية، وهو قبل الجمارك كان يعتبر من فقراء ضيعته.
هناك متنفذون في الجمارك، وهناك من هو وسيط بينهم وبين المتقدمين. وحتى يتم قبول أحدهم في مسابقة التوظيف كان عليه أن يدفع مبلغاً كبيراً من المال، حتى يتم قبوله في الجمارك.
يعمل فهد في الجمارك، وهو برتية مساعد. أراد أن يطوع الأخ الأصغر له في الجمارك، فدفع لأحد الضباط الوسطاء ثلاثة ملايين ليرة سورية. كان الوسيط على علاقة مع "غسان بلال" مدير مكتب" ماهر الأسد". ورجل آخر أهدى الضابط السابق شاليه في مدينة اللاذقية، حتى يتم قبول ابنه في إدارة الجمارك. وقد علق الرجل فيما بعد على الحادثة قائلاً: "نستطيع تعويض الشاليه خلال عام واحد، بعد قبول ولدي في الجمارك".
دفع الرقيب هيثم أحد متطوعي الجمارك في فترة سابقة، أكثر من مليون ليرة سورية حتى يتم تمديد عمله في باب الهوى شمال سوريا شهراً واحداً، قبل أن تسيطر عليه قوى المعارضة السورية المسلحة.
وعلق هيثم لأصدقائه عن الحادثة قائلاً: "خلال شهر واحد، أتقاضى ضعفي المبلغ الذي دفعته" .
تهم بالخيانة
اتهم الموالون للنظام في بداية الأحداث في سوريا، عناصر الجمارك بالخيانة، لأن كمية السلاح التي وجدت في أيدي الثوار كانت كبيرة جداً. وكان عناصر الجمارك هم المسؤولون عن إدخاله بسبب عمليات الفساد الكبيرة التي يقومون فيها عبر الحدود.
يقول ياسر أحد المواطنين في قرية ذات غالبية علوية: "يجب محاسبة عناصر الجمارك، قبل محاسبة المسلحين. كنا نعرف أنهم يقبضون الرشاوى، أما أن يسمحوا بدخول السلاح فهذه خيانة كبرى. وبدلاً من شعار الجمارك في خدمة الاقتصاد الوطني، أصبح الشعار الجمارك في خدمة السلاح".
مهرب جمركي
سيطرت المعارضة السورية المسلحة على معظم المنافذ السورية الحدودية، ولم تجرؤ عناصر الجمارك على الذهاب إلى هناك. فوجهت وزارة المالية انذاراً بالفصل لمن يتغيب عن عمله. لكن لم يلتحق أي عنصر من عناصر الجمارك بالمناطق التي يخدمون فيها خشية انتقام المعارضة المسلحة منهم.
انقطع دخل الكثيرين منهم وتحول بعضهم الى تجارة العقارات أو السيارات. أما الذين لا يملكون المال الكافي، فقد تحولوا إلى مهربين لمادتي المازوت والبنزين إلى المناطق الساخنة. وكانت كميات كبيرة من حصة وقود الساحل، تنقل الى ريف حماة الثائر على النظام السوري.
قال عبد الكريم أحد عناصر الجمارك مدافعاً عن نفسه حين تم اتهامه بتهريب المازوت: "لم يكن لدي المال لأعيش. وتم قطع رزقي في الجمارك بعد قرار وزارة المالية. والآن فتح لنا باب رزق جديد، أنا أعمل مهرباً عوضاً عن عنصر الجمارك السابق. وهذا العمل ليس فيه أي خطورة والجميع يريد رضانا، أنا أقوم بنقل الوقود المخصص لمدينة القدموس في محافظة طرطوس إلى ريف حماة المحاصر".