من أين يأتي السياسيون عندنا؟

من أين يأتي السياسيون عندنا؟
القصص | 23 مايو 2014

  ليس خافياً عن أحد أن حقبة الانقلابات العسكرية التي اجتاحت المنطقة العربية خلال السبعينيات دفعت بضباط وقادة عسكريين إلى عالم السياسة. فاختزل هؤلاء مهمتهم الجديدة بمؤسسة الحكم منتجين نموذجاً ديكتاتورياً – عسكريتارياً لا يسمح بممارسة العمل السياسي ضمن أحزاب أو منظمات تشارك في العملية التداولية لتأمين حاجات المجتمع.

 والحال فإن السياسي – العسكري نافس السياسي – الايديولوجي،  الذي بقي في منأى عن مؤسسة الحكم يمارس السياسة في الخفاء والسر. ذاك أن الأحزاب اليسارية والقومية والإسلامية أنتجت في حقبة سابقة عدداً من السياسيين الذين تنوعت أحوالهم،  تبعاً لانفتاح الأنظمة التي سبقت وصول العسكر إلى السلطة. وبرغم المنافسة تلك فإن تقاطعات كثيرة برزت بين الطرفين،  يتلخص جوهرها برفع شعارات كبرى تنادي بتحرير الأرض المحتلة ومحاربة الاستعمار.

  وقد لا يكون من المبالغة القول أن السياسي الأيديولوجي المحصن بأدبيات الوعي الزائف أنتج السياسي العسكري الذي استغل الشعارات الكبرى ليقضي على السياسة نفسها و يتحول إلى حاكم أوحد. هذا الأخير لا يحتاج إلى إقناع الناس ببرنامج لتحسين شروط حياتهم في التعليم و الصحة والتنمية وسواها، وأيضاً لا يحتاج إلى منافسة أحد على تطبيق أفكاره في ظل انعدام فرص العمل السياسي. هكذا يصبح الحاكم العسكريتاري ، سياسياً فوقياً يمارس السياسة على مستوى الدول ، يستقبل رؤساء العالم ويترك لأجهزة المخابرات عنده متابعة الأمور الداخلية لبلده.

 بعد اندلاع الثورات العربية وسقوط عدد من الحكام العسكريتاريين، عاد السياسي الإيديولوجي إلى المشهد ليكشف أن تجربته في ممارسة العمل السياسي لم تتطور. أعاد إنتاج نفسه أيديولوجياً ولكن على وقع ظروف مختلفة،  ففشل في مخاطبة الرأي العام أو تقديم طروحات تناسب الأوضاع المركبة التي أفضت الثورات إليها.

 ربما يكون حال سوريا النموذج الأكثر إغراءً للفحص من هذه الناحية، فالسياسيون الذين تسلموا زمام المبادرة في تشكيلات المعارضة كافة ينتمون بمعظمهم إلى عوالم أيديولوجية ، يسارية وقومية وإسلامية، ما يجعل فهمهم لممارسة السياسة ينحو نحو المثالية والطوباوية بدون التمتع بأي قدرة براغماتية،  للتعامل مع التناقضات المتسارعة والاستفادة منها. وزاد من سوء هذا الوضع أن الثورات لم تنتج سياسيين جُدداً يفعلون السياسة بوصفها علم له أساليبه وطرقه ، وليست قضية أو مهمة تسعى لتغيير العالم.

عودة السياسي الأيديولوجي كبديل متوفر عن  ذلك العسكريتاري الذي تسعى الثورات لإسقاطه أو أسقطته ، يضعنا في دوامة لا تكف عن إنتاج نفسها. ولنا أن نراقب مصر التي أسقطت ثورتها ديكتاتوراً عسكرياً ليفشل الأيديولوجيون الإسلاميون في إدارة البلاد ما سمح بعودة السياسي – العسكري منقذاً وبطلاً. السياسيون عندنا يأتون من تلك الدوامة التي تتحرك بعجلتي الأيديولوجية والعسكرة ، ما يدفعنا إلى إضافة سبب جديد لسوء إدارة الثورات العربية التي انطلقت أساساً بهدف استعادة السياسة، وتلك مفارقة لا تحدث إلا في بلدان تشبه بلداننا .


مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق