سوريا تنزف دمها الأحمر.. وشريانها الأخضر

سوريا تنزف دمها الأحمر.. وشريانها الأخضر
تحقيقات | 23 أبريل 2014

يعتاش "وجيه" على قطع أشجار الغابات وبيعها. وبمنشارٍ يعمل على البنزين، يقطع حوالي ثلاثة أطنان شهرياً، ينقلها على كتفيه مسافة طويلة بين الجبال، ويبيع الطن بعشرة آلاف ليرة لمن يحتاجه. أما "مازن"  فيفضل تحويل ما يقطع من الحراج الى فحم خشبي، لأن بيع الفحم يدر مالاً أكثر، ونقله يتطلب جهداً أقل من نقل الخشب.

غض طرف..

يقول مازن: "هناك عشرات الشباب الذين يمتهنون قطع الغابات.. ومئات الأطنان تقطع شهرياً من الغابات المجاورة".

تكلف مديريات الزراعة "مراقبي أحراش" في أنحاء متفرقة من البلاد، يعملون على منع القطع الجائر للأشجار ، ورعي الماعز المضر بالشجيرات الصغيرة. ويبدو أن الظروف التي تعيشها البلاد اليوم، والفلتان الأمني والتنظيمي ، يطال أيضاً مراقبي الأحراش، الذين بات من السهل رشوتهم،  وتأمين غض طرفهم عن حرق آلاف أطنان الأشجار في أحراش الساحل، كما يقول مازن.

دودة الأحراش

تشكل الغابات نسبة 3% من مساحة سوريا ، بحسب خبراء زراعيين، وتحتل غابات طرطوس واللاذقية وحماه نسبة خمسين بالمئة منها. ويقول المهندس الزراعي "محمود" في حديثه لراديو روزنة، إن أكثر من ألف مخالفة تم تسجيلها في محافظة طرطوس لوحدها، وتتضمن المخالفات قطع الأشجار، وإحراق الغابات بغية استصلاح الأراضي لزراعتها. ويؤكد على أن هناك آلاف المخالفات لم يتم رصدها أو تسجيلها أصلاً.

ويقول محمود أن هناك حشرة يطلق عليها اسم "الجادوب" تنتشر في أحراش سوريا، وهي ديدان تأكل أوراق الصنوبر بشكل خاص، وتقضي على الأشجار بعد فترة. ويضيف أن " مكافحة "الجادوب" تستلزم برنامج عمل متكامل اعتادت مديريات البيئة تنفيذه فيما مضى، لكن الوضع الحالي يجعل من مشكلة الديدان مسألة ثانوية. ويحاول محمود تقديم مشاريع وخطط عمل للتخلص من الحشرة الخطيرة،  إلا أن المسؤولين يسخرون منه قائلين "ضاع الوطن كله بسبب الحرب وانت مشغول بشجيرات الصنوبر؟".

غابات تموت

يعاني السكان من ارتفاع أسعار المحروقات، والكهرباء والغاز بشكل جنوني. الأمر الذي جعل أهالي الأرياف بشكل خاص،  يعتمدون على الحطب كوسيلة للتدفئة، وقد قامت مديرية الزراعة في محافظة حماه بإرسال موظفيها إلى الغابات، ليقوموا بقطع الأشجار بشكل مدروس لا يؤثر على نموها، وباعت الطن بنصف سعره،  رغبة منها بالتشجيع على الشراء من المديرية بدل الاعتماد على القطع الجائر.

وأصدرت المديرية تعميماً على اللجان الشعبية المقاتلة إلى جانب جيش النظام، والتي تقيم الحواجز بين القرى والمدن، وأمرتهم بمصادرة السيارات التي تحمل أخشاباً أو أشجاراً مقطوعة. لكن عناصر اللجان كانوا يشترون الأخشاب ويبيعونها في مدينة حماه بأسعار عالية جداً، مستغلين أزمة المازوت في المدينة. وتقول "رانيا" وهي مهندسة زراعية تعمل في إحدى المديريات الزراعية : "بسبب غياب الجهات التي تنفذ القانون وتحمي الأشجار أشعر أن المناطق التي شجرناها بأيدينا تموت أمام أعيننا.. ولا نستطيع فعل شيء لها.."

سوريا تنزف

يقول الشاب "دريد" وهو عامل إطفاء في مدينة اللاذقية: "كانت تأتينا الأوامر بإطفاء بعض الحرائق في ريف المدينة . لكن عندما قصفت مدفعية النظام غابات سلمى وكسب واشتعلت الحرائق هناك، لم يتحرك أحد، بحجة أنها مناطق خطر واشتباك بين النظام والمعارضة المسلحة".  ينزعج دريد بشدة من حرائق الغابات في محافظته، ويقف مكتوف الأيدي ، حائراً "سوريا تنزف دمها الأحمر.. وشريانها الأخضر"... 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق