هل تتخلى روسيا عن الأسد لانشغالها في أوكرانيا ؟

هل تتخلى روسيا عن الأسد لانشغالها في أوكرانيا ؟
القصص | 11 أبريل 2014

 عندما فقد الاتحاد السوفيتي قوته وتفككت أراضيه،  وباتت أسطورته جزءاً من التاريخ لم يبق أمام وريثه الشرعي "روسيا الاتحادية" سوى عدد قليل من الحلفاء،  كي تتعاون معهم عسكرياً واقتصاديا وسياسياً، وكانت سوريا حليفاً قوياً ومؤثراً لها في المنطقة، ونافذةً، تطل منها على البحر المتوسط ، وسوقاً للسلاح الروسي ومكاناً مناسباً لمد ذراعها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد أن صارت مصر ودول الخليج تتبع الولايات المتحدة والمعسكر الغربي أكثر من روسيا ومعسكرها الشرقي.
 ولهذا كان من المتوقع أن تدافع روسيا عن نظام الأسد وتعتبر القضية السورية صراعاً مصيرياً من أجل وجودها وبقائها في المنطقة، فمارست دورها الدولي في عرقلة كل فرصة دبلوماسية أو عسكرية قد تساعد في التخلص من نظام الأسد ، كما أنها ظلت تقف كحجر عثرة في سبيل تسليح المعارضة السورية، أو نجاح الثورة السورية من الأساس.
 لكن بالرغم من هذه الطريقة التي تتعامل بها روسيا مع الوضع السوري، فمن المؤكد أن يتبادر إلى ذهن صناع القرار الروسي أن بقاء النظام السوري لن يكون مؤكداً إلى الأبد، خاصة مع التقدم الذى تحققه المعارضة من حين لآخر، وتناقص فرص الأسد في الصمود بالرغم من المساعدة العلنية له،  الممنوحة من الحرس الثوري الايراني ومن ميليشيات حزب الله اللبناني وبعض العشائر الشيعية العراقية ، وبافتراض أن النظام السوري قد يسقط في أي لحظة، وقد تكون هذه اللحظة قريبة،  إذن على روسيا ألا تفقد حليفاً استراتيجيا آخر يعتبر أكثر أهمية بالنسبة لها ، حيث يقف على بوابتها الغربية في المواجهة مع أوربا التي توسعت بشكل مخيف وصار اتحادها مترامي الأطراف ومتعدد الأعراق ، هذا الحليف هو أوكرانيا!
 من خلال متابعة مجريات الأحداث في الفترة الماضية ، سنجد أن صانع القرار الروسي كان مضطراً إلى إعادة حساباته جملة وتفصيلاً، واضعاً القضية الاوكرانية في مرتبة أولى بالنسبة له بدلاً من السورية، فالمكاسب في الحالة الأوكرانية ستكون أكبر وتستحق عناء مواجهة الغرب، فانضمام القرم إلى روسيا يعني استئثار الأخيرة بثروات طبيعية، ورقعة حسّاسة تطل على البحر الأسود، وتعد محطة أساسية في الخط البحري الذي يصل تركيا بالصين والمعروف عبر التاريخ بـ"طريق الحرير".
 إذن الرابح في أوكرانيا حتى الآن هي روسيا، لكن الأمر لم ينتهى بعد ، ومرشح للزيادة والتصعيد ، فهل انشغال الدب الروسي بما يحدث في أوكرانيا قد يجعله ينسى حليفه الأسد، أو يتخلى عنه في إطار تسوية ما مع الغرب لاحقا؟
 روسيا ـ كغيرها من الدول الكبرى ـ لا تتعامل مع أي ملف إلا بمبدأ الربح أو الخسارة ، فهي لا يعنيها بقاء التحالف مع الأسد إن لم يكن مصحوباً بصفقات سلاح وإتاحة تواجد قواتها على الأرض السورية، و عموما فإن هذه الموازين لا تختلف كثيراً عن تلك التي تتعامل بها الولايات المتحدة أو الدول الأوربية مع حلفائها، فالنهج الذى تتبعه هذه القوى متشابه تقريبا، لكن بالنسبة لما يحدث في أوكرانيا فإن روسيا تجد نفسها في موقف أقوى ويستحق العناء، فالخيارات الغربية لمواجهة روسيا الآن تبقى محصورة في فرض عقوبات اقتصادية واستبعاد روسيا من حضور بعض القمم واللقاءات، إلى جانب حملات دبلوماسية لمواجهة الروس في المحافل الدولية،  فالاتحاد الأوروبي بالفعل قد فرض عقوبات طالت 33 مسؤولا روسياً ورجال أعمال، إلى جانب التلويح بإعادة النظر في بعض الصفقات بين روسيا ودول أوروبية، وإلغــاء القمة التي تجمع روسيا و دول الاتحاد الأوروبي المفترض عقدها في يونيو المقبل ، لكن كل ذلك لن يُبقى أمريكا وأوروبا بعيدة عن الضرر جراء جملة الإجراءات هذه، فمثلاً الرئيس الروسي "بوتين" قد هدد بخفض نسبة التعامل بالدولار وهو ما يعنى إحداث رجة قوية في سوق صرفه، وفى المقابل تعزيز لمكانة عملات أخرى كالين الياباني، أما أوربا المتعطشة إلى الغاز باستمرار ، سنجد أن أكثر من 30%من الغاز المستهلك على أراضيها قادم من روسيا، هذا بخلاف أن روسيا سوق منتعشة للمنتجات الصناعية الأوربية، وأي توتر حاد من شأنه وقف ضخ الغاز الروسي و غلق السوق الروسية في وجه المصانع الاوربية.
 لكن للعلم فإن روسيا ــ وبرغم ما سلف ذكره ــ التي تبدو ألان منشغلة تماماً بما يدور في أوكرانيا ، فإنها لن تنسى نظام الأسد،  فالروس على يقين بأن سقوط الأسد يعنى تضييق الخناق أكثر على حليفها التالي في المنطقة "إيران"، وبالتالي سيصير الأمر كورق الدومينوز المرصوص على التوالي، إذا سقطت أول قطعة منه، سيتوالى سقوط القطع الباقية بالتتابع على نحو دراماتيكى، هذا بخلاف خسائر أخرى محسوبة في ذهن صانع القرار الروسي.  
وعموماً فإن الأيام القادمة  سينجلي فيها بوضوح إلى أي مدى يمكن لروسيا أن تتنازل عن الأسد،  في سبيل اعتبار مع حدث في أوكرانيا أمراً واقعاً، في ظل تنسيق وتفاهمات مشتركة،  قد تنشأ بين الروس و الدول الغربية مستقبلاً ، وهل بشار الأسد يخشى غياب الدعم الروسي عنه، أم أنه في انتظار الدبابة الروسية كي تأتى لضم سوريا إلى روسيا الاتحادية بعد استفتاء شعبي عاجل يديره ويشرف على نتائجه بنفسه ؟، لكن المشكلة التي قد تواجهه هي : من أين سيأتي الأسد بسوريين من أصول روسية كحال 60% من سكان شبه جزيرة القرم ؟

-------------------------------------------

مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق