علي الجبلاوي_ اللاذقية | لم تعلم أميرة "اسم مستعار"، أن حياة الشقاء والبؤس ستلاحقها كظلها أينما ذهبت، كانت تحلم بالدراسة وبالخروج من قريتها الصغيرة في الريف النائي من إدلب، لكن فقر الحال وسوء الوضع المعيشي دفع بأهلها لإخراجها من المدرسة وإرسالها للعمل في المزارع بأجر زهيد، وبعدها تم تزويجها لأول شخص طرق باب بيتهم، وكانت "أميرة" الزوجة الثانية.
لم تطل المشاكل حتى وصلت قرية أميرة، فهربت وزوجها وأطفالها وضرتها إلى اللاذقية، وجدوا منزلاً وسكنوا به. وبحكم عجز الزوج عن العمل اضطرت وضرتها للعمل لإعالة العائلة، "أعرف ساعات النهار من خلال عملي، عملي يبدأ في السابعة صباحاً في حقول البرتقال، وينتهي في الخامسة مساءً، أعود لإطعام أطفالي وأطفال ضرتي ريثما تعود والدتهم، وهي الأخرى وجدت عملاً كمستخدمةٍ في أحد المستشفيات الخاصة".
أميرة أنجبت توأم بنات بعد قدومها لللاذقية، ونتيجة للبرد القارس الذي حل هذا العالم على سوريا، ولعدم قدرتها على تأمين تدفئة، فقدت إحداهن نتيجة البرد. "تمنيت لو لم أنجبهن، لا أعلم إن كنت مذنبة بإحضارهن لهذه الحياة!، كيف سأقدر على تأمين الطعام والغذاء لهن ولأطفالي البقية؟!، ستطول الحال بنا هكذا ولكنني أتأمل رحمة رب العالمين".
"لا شجرة تصل لعند ربها"، تقول فاطمة "اسم مستعار" هذه الجملة وتغص، تلتفت ناحية بناتها وتفيض عيناها بالدموع. زوج فاطمة وابنها الذكر الوحيد لقيا حتفهما نتيجة القصف على حلب من قبل طيران النظام، إحدى بناتها فقدت ساقها كاملةً، والأخرى التي لم تكمل العامين من عمرها فقدت يدها. "تستيقظ ابنتي الصغيرة وتصرخ _أريد يدي_ حتى بات الجيران ينزعجون من صراخها الدائم غير آبهين بوضعنا المزري".
"فاطمة" كغيرها ممن فقدوا معيل عائلتهم الوحيد، بحثت عن عمل لتسكت جوع بناتها اللواتي أضحين معوقات جسدياً. تخبرنا أنها كانت تعيش "معزوزة" والآن أصبحت تعيش مشردة، تطرق الأبواب طلبا للعمل أو المساعدة.
"فاطمة" وجدت اليوم عملا في مشغل خياطة بأجر زهيد، وعندما لا يكون هناك عمل في المشغل، تذهب للعمل في المنازل، "للأسف لا رحمة عند قسم كبير من الناس، متناسين أن الدنيا دوارة علينا جميعاً".
والأطفال غدوا معيلين لأسرهم
في حالات النزوح ليس الأب أو الأم وحدهما من يعملا لكسب لقمة العيش، لكن الأطفال أيضاً باتوا يعملون في المتاجر والأفران ومحطات الوقود وغيرها، محمد "اسم مستعار" طفل يبيع التفاحية، يتواجد يومياً منذ الصباح الباكر حتى المساء في شارع 8 آذار، الواقع في مركز مدينة اللاذقية. يعرض بضاعته على المارة آملاً أن يبيع كل ما لديه قبل العودة للمنزل وإلا فالتعنيف والضرب بانتظاره.
محمد لا يتحدث عن حالته لمن يسأله ويهرب من أي شخص يلح في أسئلته عنه وعن وضعه، لكن مها "اسم مستعار" ناشطة تابعت وضع محمد واستطاعت جمع معلومات عنه، أخبرتنا عن وضعه السيء، ووضع أسرته، وأن والده من يصنع له التفاحية صباحا ليذهب محمد ويبيعها، ويعود له بالغلة ليشتري بها الكحول. وإن أردنا رؤية محمد يمكننا المرور ليلاً بشارع 8 آذار لنجده نائماً على الرصيف يلف قدميه بيديه من البرد، وعندها نعلم أنه لم يبع كل التفاحية فاضطر للبقاء في البرد يحمي نفسه من جحيم منزله.