هناك مثل مصري شعبي يقول " إيه لمّ الشامي على المغربي"، يُقصد منه الإستعجاب من إجتماع شخص له طبع مختلف مع شخص آخر له طبع ورأى مختلف تمامًا عن الأول، ومن المستحيل أن يجتمعا معا أو أن يتفقا نظراً لطباعهما المختلفة، تذكرت هذا المثل وقد كَثُرَ الحديث مؤخراً عن الأطراف والدول التي ستشارك فى مؤتمر(جنيف 2) ،وعن الشروط المسبقة للمؤتمر وعن النتائج المرجوة منه، وتمسك النظام بحضور إيران، بالرغم من أننا لو نظرنا نظرة عميقة مستوعبة في أسماء المشاركين لوجدنا حالة من عدم التناسب أو التوافق بينهم، فكل طرف يأتي حاملاً قضيته و شروطه التي لن يتخلى عنها أبداً، ولكل مآربه التي يسعى لتحقيقها دون تقديم أي تنازلات.
مؤخراً قد صرح مصدر بوزارة خارجية النظام بأن الوفد الرسمى للنظام سيذهب إلى جنيف ليس من أجل تسليم السلطة لأحد، وإنما للمطالبة بالقضاء على الإرهاب، في إشارة منه إلى المعارك الدائرة مع الثوار، مع العلم أن الإرادة الدولية لن تستطيع أن تُجبر النظام وحلفائه على تنفيذ قراراتها، والأسوأ أن يقابل الأمر بالمحاباة والتواطؤ بهدف تنفيذ أجندات أخرى والحفاظ على مصالح إقتصادية وأمنية للقوى الكبرى في المنطقة، وليس خفيّاً على أحد أن المجتمع الدولي لم يجرّم رسمياً حتى الآن إستخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد المدنيين.. بل إنه حتى لم يوجه التهمة إليه! ، وكل هذا يعكس نظاماً دولياً مختلاً في عدالته من حيث تعدد الكيل وإزدواج المعايير.
هناك مثل إنجليزى يقول " اذا أردت السلام فكن مستعداً للحرب "، فبقدر إستعداد ورغبة المعارضة للهدنة والحل السلمى يرفع نظام الأسد وتيرة عدوانه على المناطق المحررة، وبقدر صمت المجتمع الدولي تزداد مليشيات حزب الله وعناصر الحرس الثورى غطرسةً وصلفاً ووحشية ضد الأبرياء، وبالتالي فإن النظام الذي يحاول الخروج من عزلته بحثاً عن فضاء أوسع للدبلوماسية .. لم ولن يتخلى عن عملياته العسكرية ، وسيرتكب جرائم أكثر وأبشع من السابقة حتى قبل أن يجف حبر ما كُتِبَ وتوصلت إليه الجهود فى جينيف 2، ولا يجب أن تخدعنا عبارات الحل السلمى التى إستخدمتها طهران وموسكو لفترة من الزمن، قبل أن تعاود موسكو نفسها لتتبنى خطاب مشابه لخطاب الأسد وتسمي الثوار بالارهابيين ! ، وبالتالى فإن المعارضة يجب أن تظل فى نضالها المسلح لصد عدوان الأسد، حتى أثناء عقد المؤتمر، بل يجب أن يتم تسليح المعارضة بشكل أفضل مما هي عليه الان، خاصةً إذا كانت تريد أن يستجيب الأسد لما سيسفر عنه المؤتمر، فكما قال مالكوم إكس "لا تتراجع القوة أبدًا خطوةً إلى الخلف إلا عندما تواجه قوةً أكبر منها".
وفي هذا السياق يأتى السؤال: ما فائدة مؤتمر جنيف 2 إذا إستمر النظام في شن غاراته من دون أن يكترث لردة فعل المجتمع الدولي ؟! ، إذن هذا المؤتمر لن يكون سوى محاولة لإعادة تسويق النظام دولياً و طرحه على أنه يسعى الى السلام والحوار والدبلوماسية .. بالرغم من أن ألة القتل التابعة له مستمرة في عملها، ويكفينا فى مقام ذكر المؤتمرات واللقاءات أن نتذكر القضية الفلسطينية وما لحق بها من وراء المؤتمرات الكثيرة واللقاءات المتعددة، فلا دولة فلسطينية قد قامت ولا سيادة لها تحققت، ولا سلام قد حل بالمنطقة، ويكفى دليلاً قائما على الحالة السورية هي الزيارات المتعددة والصولات والجولات للمبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي التي لم تسفر عن شيء يسمن أو يغني من جوع حتى الآن.
أنا هنا ــ وحتى تظهر فكرتي بوضوح ــ لست ضد عقد مؤتمر جنيف2 ، لكننى ــ ويشاركني في ذلك كثيرون ــ أرى أنه من غير المجدى للمعارضة السورية أن تشارك في مؤتمر يبدو عليه حتى الآن أنه سيكون مناسبة لإلتقاط الصور التذكارية ليس أكثر، فحتى الآن لم يتم توفير المناخ المناسب لنجاحه، فآلة القتل لم تتوقف وقصف النظام للمدن والقرى السورية مازال مستمراً .. بل ويزداد بشاعة مع الإكثار من إستخدام البراميل المتفجرة، كما أن الحصار المفروض على بعض المناطق المنكوبة مايزال على حاله دون السماح بممرات إنسانية لإيصال المساعدات .
إننا وإن كنا نصبو حقاً نحو نجاح هذا المؤتمر والخروج منه بنتائج ملموسة تزحزح الأزمة السورية عن وضعها، فلابد من تحقيق عدة مطالب سواء مسبقاً قبل عقد المؤتمر كشروط للتفاوض أو كنتائج واجبة التنفيذ بعد إنعقاده، وهي تتمثل في وضع جدول زمني لكل مراحل التفاوض اللاحقة، وقف العمليات العسكرية وبدء هدنة بين الطرفين تشمل كل مناطق سوريا، وخروج مقاتلي حزب الله اللبناني ومليشيات الحرس الثوري الايراني من الأراضي السورية، والموافقة الأولية على تنحي الأسد عن السلطة مع تشكيل حكومة إنتقالية توافقية تتولي إدارة البلاد.
لا أخفي عدم تفاؤلي بأن (جنيف 2) لن يأتي بنتائج إيجابية وملموسة أو يحقق أياً من الأهداف المرجوة منه، خاصةً مع توافقي فى الرأى مع الائتلاف الوطنى السوري حول عجز المجتمع الدولي عن الضغط على النظام لإيقاف حملته العسكرية الشرسة، والتي تظهر عجزه مستقبلا في الضغط على النظام لتنفيذ أى نتيجة يخرج بها مؤتمرجنيف2 ، خاصة وأننا نرى تصميماً لدى حزب الله وإيران فى تحقيق النصر للأسد في حربه المقدسة ضد الإرهاب المزعوم، ونسمع تصريحات متواصلة من الأسد بأنه باقٍ فى منصبه ولن يقدم أية تنازلات .. بل وإنه سوف يرشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية القادمة، و لأن الأسد سوف يفوز في الانتخابات التي سيجريها بنفسه ومن أجل نفسه .. فما من سبيل لخلعه من سدة الحكم سوى بالثورة، وليس بالانتخابات، يقول (نعوم تشومسكي) : "للأسف لا يمكن التخلص من الأوغاد عن طريق الانتخابات لأننا لم ننتخبهم أصلاً " !
مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة