أنتقي أقمشةَ ملونة ً جديدة تلائم ما أعتقده أناقتي ، علنّي أتحايل فيها ولو ضمنياًعلى ذاك الأسود الذي أجبرني على ارتداء الحجاب يوميا ً! أقف أمام مرآتي خجلة من نفسي أولا ً، ومن رفاق الدرب الذين قد يلتقوني مصادفة فيعرفون كم أنني قد تغيرت، أو ربما قد تدجنت. أعيد ترتيب الخصلات التي تثور على هذا القرار، وتحاول أن تخرج من تلك القطعة القماشية الصغيرة التي اشتريتها خصيصاً لمناسبة تحجيبي مرغمة حفاظاً على أماني ، وأحاول أن أصوغ كل يوم على تلك المرآة ، أعتذارات للكثيرين والكثيرات في حياتي.. أبدأ اعتذاراتي لأولئك الذين استشهدوا وهم يحلمون أن تغدو المناطق المحررة محررة فعلاً ، وأبتلع الغصّة على الإرث الوطني الذي لم نعرف كيف نحافظ عليه، لأولئك السوريين والسوريات الذين قد وعدناهم بغدٍ أجمل وفشلنا ، بمساحة أكبر للحرية، وقارعناهم حتى على تفاصيل حياتهم ، بحياة ذات كرامة !! فلا كرامة جلبنا لهم ، ولا حياة.. ثم اعتذارا آخر، عميقاً بعمق الخيبة لصديقة ترتدي الحجاب ذاته كل يوم تعبيراَ عن ايمانها، عن علاقتها بخالقها وطاعتها لمشيئته، وكيف أحيل أنا طقسها المقدس إلى قناع أمني يخفيني من عيون الملثمين، كيف أفرغ دون قصد ورعها من معناه لأضع ذات القماشة دون أدنى معنى لها وللكثيرات مثلها في وطني، أدين باعتذار صادق على حجابي القسري.. ومن بين الاعتذارات كلها يعصرني كذلك شعور بالذنب نحو طفلتي الآتية، والتي قد أسميها "تيا ".. تيا التي أود يوما ً لو أورثها جنون شعري المجعد ، طفلتي، إن اضطرت يوماً ما إلى ارتداء الحجاب قسراً في شوارع مدينتنا فذاك ربما لأن أمها " الثائرة " كما تدّعي .. قد اختارت أن تتنازل عن حريتها لتبقى بأمان أمها التي لطالما عاتبت أولئك الذين سكتوا للظالم وهادنوه ، أمها التي لطالما عاتبت أجيال سبقتها كيف أوصلوهم إلى هذه الحال من الاستبداد قد اختارت هي بدورها أن تنحني، لابنتي الجميلة.. لتيا .. طفلتي مستقبلاً .. أعتذر بخجل وألم .. وكذلك الأمر يتعداني إلى أنثى ما لست أعرفها ربما وأشعر أنني أخونها، حرّة ما في الشمال السوري الذي لم يهنأ بعد بتحريره .. فإن هي اختارت أن تقاوم ما يرغمون الجسد عليه وأن تعيش صرخة " لا " في وجه الظالمين الجدد ، فأنا لم أكن هناك معها ، بل تركتها وأمثالها وحيدات مخذولات، تركت ظهرهن مكشوفاً للطعنات والخاطفين ..أخجل من ناشطات سبقنني إلى قرار كهذا ، كم عاتبتهن يومها .. كم اغتبت بعضهن وكم كرهت أخريات .. ولهنّ الحق اليوم أن يجاهروني بنفاقي!! أبحث عن أعذار أتلوها أمام "هويتي" وإيماني وانتمائي الديني، حقي بالاختلاف الذي أجبر أن أخلعه وأخفيه كلما ارتديت الحجاب، وذاك فقط كي أبقى على قيد الحياة، وأحيانا ً كما أدعي مواربة على قيد الثورة، أمتص الذّل ذاته وأنا أدعي أنني لست " أنا " ، وأتبرأ من ذاتي، الذل ذاته الذي اعتدت أن ابتلعه أمام المحقق في فرع الأمن السياسي وأنا أتبرأ من الثورة والثوار لأخرج سالمة . أفهم أخيرا ً كيف بكى بطرس دمعا ً مرا ً عندما نظر إليه المسيح بعد أن أنكره ثلاثا ً، كيف لا وأنا أنكره كل يوم، خيانة تلو الخيانة .. ارتكبها كل يوم صباحاً وأنا أعيد وضعه على رأسي .. خيانة تلو الخيانة .. أعظمها ربما خيانتي لنفسي وللثورة ولما به آؤمن ومجددا ً قبل مغادرتي منزلي .. اتأكد أن هذا الذي أراه على المرآة هو وجهي فرويدا ً رويدا ً .. أشعر أنني اختفي .. وأخاف.. أخاف أخاف .. أن أنظرني يوما ً فلا أراني .. أو أراني فلا أعود أعرفني كمدينتي .. كسوريتي .. كثورتي