لماذا لم يكن الأسد شخصية العام في التايم؟؟

لماذا لم يكن الأسد شخصية العام في التايم؟؟
القصص | 23 ديسمبر 2013

كان اختيار مجلة التايم لـ "شخصية العام" سنة 2001 بمثابة كابوس حقيقي للمحررين، يعتمد الاختيار على أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم سواءً من ناحية إيجابية أو سلبية، ومن سيكون أكثر تأثيراً في ذاك العام أكثر من "أسامة بن لادن" بعد أحداث 11 سبتمبر !؟
طرحت المجلة اسم "ابن لادن" من بين المرشحين بخجل، وجاءتها انتقادات كبيرة لمدى حساسية الأمر بالنسبة للشعب الأمريكي والعالم، دماء الثلاثة آلاف ضحية التي قتلها ابن لادن في برجي التجارة ما تزال رطبة، والدموع ما تزال محتبسة في زوايا مآقي ذوي الضحايا، فكيف للناس أن تحتمل اختيار ابن لادن كشخصية العام!
في النهاية، وبعد كثير من الترقب والضجة الإعلامية، لم تجرؤ المجلّة أن تعلن "ابن لادن" كشخصية للعام وأن تجعل صوره تتصدّر غلاف عددها المرتقب، بل اختارت النقيض تماماً، عمدة نيويورك "رودولف غيلياني"، ووصفته بأنّه الشخص الذي يمثّل الأمل، ومدى قوة استجابة أمريكا لهذه الكارثة الإنسانية.

اكتفت التايم يومها بأن تذكّر في مقالٍ لها بأنّها كانت قد اختارت سابقاً شخصيات كـ"أدولف هيتلر" و"الخميني" و"ستالين" في إشارة ليست مبطنة أبداً لكونها أرادت أن تضيف "ابن لادن" لهذه القائمة لولا خوفها من ردة الفعل، وللصدفة، فقد كان ذلك العام هو العام التالي على التوالي الذي تقع فيه المجلة بهذا النوع من الإحراج، فقبلها بعام وبينما كانت تختار "شخصية القرن" كان هناك ميل واضح من محرريها لاختيار "أدولف هتلر"، ورغم أنها كانت قد اختارته سابقاً كشخصية العام، إلا أن ذلك حدث في عام 1938 قبل الحرب العالمية ومجازر هتلر بحق اليهود وهو ما جعل الأمر يمرّ بدون أي ردة فعل حينها، لكنّه لن يمرّ بهذه الطريقة قطعاً فيما لو اختارته كشخصية للقرن بعد هذا الزمن، خصوصاً من الجاليات اليهودية، لذا، أعلنت بامتعاضٍ واضح من بعض محرريها "أينشتاين" كشخصية القرن.

لم يبدو التردد كبيراً هذا العام، اختيار الأب "فرانسيس" جاء سلساً ومتوقعاً، ينبهر محررو التايم من مدى انفتاح البابا "فرنسيس" أول شخص غير أوروبي يحتل هذا المنصب، ويفردون صفحات طويلة تتحدث عن مدى تسامحه في ملفات طالما كانت حساسة بالنسبة للكنيسة كالشذوذ الجنسي والإجهاض، وعن اهتمامه الخاص بالمرضى والفقراء حول العالم.

قبل إعلان النتائج، لم يبدي محررو المجلة اهتماماً ملحوظاً بمدى أحقية "بشار الأسد" بهذا اللقب، اكتفت بوصفه على أنه الطاغية الذي يجلس على عرشه فوق بحور من الدماء، وأفردت بالمقابل مقالات عديدة وطويلة عن المرشح العربي الآخر، السيسي، وعن الجدل الكبير عما إذا كان اختياره سيعني اختياراً لأفضل شخص مؤثر أم أسوأ شخص، إلا أنّ "السيسي" استبعد أخيراً من المنافسة في حين احتل "بشار الأسد" المركز الرابع كأثر الشخصيات تأثيراً في عام 2013.

يمكنني أن أجزم مطمئناً بل وبسخرية، أنّ "التايم" لم تتجنب اختيار "بشار الأسد" لسبب شبيه أو يمت بصلة لتجنبها اختيار "ابن لادن" و"هتلر"، بل إن الموضوع بكل بساطة يكمن في كونه لا يستحق اللقب، ليس هناك ما يجعل المأساة في سوريا موضع اهتمام بالنسبة للمواطن الغربي أكثر من كونها خبر يتذيل صفحات المجلات، بل وعلى الأغلب، لم يكن العالم ليسمع بـ"بشار الأسد" قبل تهديدات أمريكا بضرب "سوريا" واستخدام الكيماوي في الغوطة.
سيكون من الطريف مثلاً أن تتأمل الرسم البياني الذي يوضح عدد التغريدات على "تويتر" التي ذكر فيها اسم "بشار الأسد" بالانكليزية، كما وضعته "التايم" قبل اختيارها لشخصية العام، يتراوح المعدل ببساطة بين الصفر مرّة في بعض الأيام إلى المائتين مرة في أفضل الأيام، ويقفز بشكل جنوني في شهر آب أثناء الهجمات الكيماوية على الغوطة ليصل إلى أكثر من أربعة آلاف مرة في اليوم ويستمر الصعود نسبياً في فترة تهديدات أوباما بشن ضربة على سوريا، حتى يعود للسقوط أخيراً إلى معدله الذي يتراوح بين الصفر والمائتين مرة بعد انسحاب البوارج الأمريكية من المتوسط ..!
ولك أن تقارن هذا المعدل بعدد المرات الذي يذكر فيها المرشحون الآخرون للقب شخصية العام، كأوباما مثلاً الذي يبدو المعدل اليومي لذكره في تويتر يقترب من المائة ألف، أو حتى "حسن روحاني" الذي يتفاوت ذكره بين الخمسة آلاف إلى العشرين ألف مرة في اليوم منذ انتخابه رئيساً لإيران، أو الأب "فرنسيس" الذي وصل أحياناً لنصف مليون تغريده تخصه باليوم.

وسيكون طريفاً أيضاً أن تتصفح المقال الذي أفردته "التايم" حول سبب اختيارها لـ"بشار الأسد" للمركز الرابع، يأتي ذكر مركز لأحداث الكيماوي في الغوطة ولتهديدات "أوباما" بضرب قواعد النظام، ثم حديث طويل عن سوريا وإيران وحزب الله وإسرائيل والنزاعات السنية الشيعية، والقضية الفلسطينية، وأخيراً عبرة في السطور الأخيرة تفضي إلى أنّ "بشّار الأسد" لقّن العالم كلّه درساً في السياسة، وعن الطريقة التي يمكن أن تحكم فيها في الشرق الأوسط، ليس من مكان هناك لأن تحكم سوى بالدم وبالدبلوماسية الذكية التي تحميك من الوقوع في فخ وقع فيه سابقاً صدام حسين والقذافي، العالم يحتاج "بشار" اليوم لأنه يريد "الكيماوي"، ويحتاج بشار أيضاً لأن عدو بشار على الأرض هو القاعدة .. ولأنه أيضاً يلقّن الدروس لمن يريد لنفسه دوراً في الشرق الأوسط .. كإسرائيل ..!

لم تختر التايم .. بشار الأسد .. كشخصية العام لأن بحور الدم ومئات آلاف المعتقلين وملايين المهجرين لا تكفي ليكون الأكثر تأثيراً في العالم، هو لا يستحق .. هكذا بكل بساطة .. في حين أنها لم تختر سابقاً "أسامة بن لادن" لأنّه سفّاح لا يمكن أن توضع صورته على الغلاف بعد أن قتل ثلاثة آلاف أمريكي .. سيكون ذلك مؤذياً للمشاعر ومهيناً للدماء والدموع ..!

--------------------------------------------------

مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق