"يجب أن نذهب إلى جنيف سريعاً، لأننا كما ننتصر في المعارك العسكرية سننتصر في المعارك السياسية" كانت هذه أحد خطب المسؤول من القيادة القطرية لحزب البعث الذي أتى إلى قرية علوية تابعة لمدينة بانياس من أجل واجب تقديم العزاء لأسرة فقدت أحد شبابها.
خطابات حماسية
احتج رجل بصوت عال أحد الرجال قائلاً له:"انت ما فقدت حدا حتى تصرخ بصوت قوي وتقول انتصرنا. نحنا نشعر بالهزيمة لأننا فقدنا أولادنا. ليش ما رحتوا على جنيف من زمان!! كان لازم نموت كلنا حتى حضرتك توافق على جنيف"!!.. ومين خبّرك أننا ننتصر في المعارك، حتى ننتصر في المؤتمرات..! يعني أنت مفتكر أن اولادنا يلي استشهدوا ويلي منتظرين الشهادة عم ينتصروا..!!"
لم يقصد الرجل أن القيادي في القيادة القطرية هو من رفض الذهاب إلى جنيف في فترة سابقة، لكنه كان يقصد "الديكتاتور" بشار الأسد. ولم يقل الاسم علانية لأسباب كثيرة، لكن الكثيرين فهموا ذلك. لم يتم اعتقال الرجل، ولم يتم التشهير به. واكتفى أحد الحاضرين بأن ربت على كتفه طالباً منه الصبر. وغادر المسؤول الحزبي بدون تحقيق أي انتصار خطابي.
كانت أم حسن منذ بداية الثورة السورية تعتبر أن الأسد سينتصر على أعدائه كما انتصر أبوه عليهم. وكانت تكرر في جلساتها الخاصة والعامة أن العلويين ليس لديهم طريق آخر إلا أن ينتصروا لأن هزيمتهم تعني قتلهم جميعاً. ثم فقدت أم حسن ابنها حسن في معارك القابون. وعاد إليها جثة، صمتت أم حسن فترة طويلة، ولم تكن دموعها هي السبب ولكن يبدو أنها كانت تعيد حساباتها. ابنها حسين يخدم في الجيش النظامي أيضاً. قالت عندما كانت تقوم بواجب العزاء لأحد شباب قريتها الذي قتل في معارك حلب "لازم يوقف هالقتل، ماعاد قلوبنا تتحمل شهداء أكتر". في فترة سابقة لم يكن يجرؤ أحد أن يقول ما قالته أم حسن، وليس بالضرورة أن يكون الخوف من المخبرين أو من المخابرات هو السبب ولكن لأن العلويين في تلك الفترة كانوا قد تهيؤوا على التضحية بأولادهم من أجل أن تنتصر الطائفة على كل الطوائف. لكن اليوم خسرت الطائفة قسماً كبيراً من أولادها ومازال الوضع على حاله. ولا يبدو أن الانتصار قريب. ولم تعد الخطابات الحماسية من القيادات السياسية والعسكرية تنفع لإخماد غضب العلويين وحزنهم.
من لم يخسر واحدا من أولاده بعد؟!
ورغم أن العقيدة العلوية تعتبر "أن الموت هو بداية ولادة أخرى" إلا أن هجرة أولادهم من هذه "الدنيا الأزلية" إلى مكان آخر يمزق قلوبهم، ولو كان الخيار لهم، لاختاروا أن يبقى الأولاد بينهم. في مرة ثانية وفي واجب العزاء بشاب آخر قتل في حمص قالت أم حسن :"مين منكم لم يخسر واحد من أولاده!؟ ليش لازم نحنا نموت !! معقول ما في حل تاني !! وافق الكثير من الحضور على خطابها، حتى زوجها أبو حسن لم يعترض واكتفى بأن هز رأسه موافقاً. يقول هاني من قرية علوية في بانياس "لقد تغيرت نفوس العلويين كثيراً. في السابق كان من يعترض على هذه المسائل يلام ويتم التشهير به، ويقذف في خنادق المعارضة القذرة وقد يتعرض للعقاب الطويل. أما الآن اختلفت الصورة. كل المنازل خسرت. كل الأهالي فقدوا واحداً أو أكثر. والكلمة التي كانت الطائفة تعاقب عليها في فترة سابقة، صارت تمر بدون عقاب لا بل صارت مركز توافق. كل واحد من العلويين في القرية فقد أحد أبنائه أو إخوته، وإذا حدث وقتل واحد جديد يقوم الناس بواجب العزاء ثم يعود كل واحد منهم إلى حزنه وأوجاعه". ويضيف هاني أن الطائفة تنتظر المعجزات في هذه المعارك المتواصلة والوجع المستمر، ولكن يبدو أن المعجزات من رابع المستحيلات.