إكسبو سوريا!

إكسبو سوريا!
القصص | 29 نوفمبر 2013

وأنا أتابعُ نتائج معرض أكسبو 2020، شعرتُ بحرقة شديدة على ما آل إليه مصير وطننا، وحزنتُ أكثر حين تذكرتُ "وأتذكرُ" حجم الفساد الذي يستشري فيه، ما حدا الأمر في النهاية إلى مطالبة الشعب السوري بالكرامة التي لا تنفصل بطبيعة الحال عن لقمة عيشه. حين فازت إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة باللقب، خفق قلبي على سوريا بشكل غير واضح الملامح، بل وحدا الأمر بي إلى أن أعيد إلى الذاكرة فعاليات معرض دمشق الدولي "مثلاً" ومدى الفساد في أروقته، بل وفي كافة الفعاليات التي كانت تُقام، الأمر نفسه كان منطبقاً على مهرجانات المسرح والسينما وما إلى ذلك.. معرض أكسبو حدث فريد من نوعه، وله دور عظيم في تقدم الدول التي تستضيفه، وهو يستمر لأكثر من ستة أشهر جاذباً ملايين السياح والزائرين والمستثمرين، وهذه ليست هي المرة الأولى التي تفوز فيها دبي بهذه الألقاب العالمية، علماً أن الشعب الإماراتي من أسعد شعوب العالم أيضاً.. وعلى سيرة السعادة، فنحن أبعد ما يكون عنها، وما أسوقه كان من الممكن العمل عليه في سوريا، لكن كيف يتم ذلك وعدد ضحايا العنف بلغ 150 ألف ضحية، ومثلهم المعتقلون والجرحى واللاجئون، فهذه المعطيات لن تبشر بخير عن مستقبل وطن بات على كف عفريت، أو لنقل عفاريت تتحكم ولا تريد للثورة أن تنتهي، بل وتأكل من خيرها وتشرب من دم أطفالها وشبابها.. إذاً، أُسدلت الستارة على مسرح سوريا حين كان الضابط في الجيش يقبل بألف ليرة سورية أو "1200 وحدة كرصيد للهاتف المتحرك" لكي يحصل العسكري على إجازة مدتها "24 ساعة" أو "ليلية" أو "48 ساعة"، ولكن الرقم يرتفع قليلاً، ولا يزال هذا الضابط يدفع بجنوده إلى قتل بعضهم بعضاً، وإن لم يقتل يُقتل. أُسدلت الستارة على مسرح سوريا حين كان عنصر أمن شرطة الآداب "الأخلاقية"، لن يرضى إلا بأخذ رقم الهاتف المتحرك للفتاة التي قبض عليها مع حبيبها وهما في مرحلة العناق أو القُبل، ثم يهددها إن لم تخرج معه سيتصل بأهلها، ولا يزال هذا العنصر نفسه يغتصب نساء بلده. أُسدلت الستارة على مسرح سوريا حين كان ابن طائفة ما يحصل على مراتب أعلى في كافة المناصب، ولا يتحمّل الدوام الطويل أو الرياضة والشمس في تدريبات الجيش، بل يكون في مواقع إدارية أو في منزله، ولا يزال "ليس الجميع" يتفرّد برأيه في كل شيء. إكسبو وحدها ليست قادرة على ردّ الاعتبار للسوري المغترب في الإمارات، وهو يتأمل عظمة بلد نال استقلاله وبنى دولة عصرية "ذكية" في أقل من ربع قرن، بل وربما تكون قادرة على رد الاعتبار لهذا السوري اللاهث وراء وطنه يقارنه ببلدان أخرى علّه يعرف أين تقع نقاط الاختلاف والتشابه بينها، لكنني في نهاية المطاف لا أملك إلا أن أمسح على رأسي وأسأل نفسي ما إذا كان يحدث في سوريا حقيقي أم كابوس مزعج؟ بل وازداد بي الأمر أن أسأل نفسي أسئلة أخرى لا حصر لها عن كيفية ترميم بلدنا بعد سقوط النظام، فالأرواح لن تعود، والجرحى سيُشفون، والمعتقلون سيُفرج عنهم، واللاجئون سيعودون، لكن الأرواح.. الأرواح كيف تعيش معنا فرحتنا بسقوط النظام! لا، لن نفوز بمعرض أكسبو ولا بغيره من المعارض، لأننا فزنا ببطولات نشرات الأخبار كبطل رئيس، وسيطرنا على كافة البرامج الحوارية، وحصلنا على بعض الجوائز الثقافية من هنا وهناك، لكننا خسرنا كثيراً، وسجلنا نقاطاً سوداء في قلوب الكثيرين، هؤلاء الذين سجلوا في قلوبنا غابات من السواد، فالحكاية أعقد وأشمل، وأتشاءم أكثر: خسرنا أعزّ ما نملك؛ روح الإنسان.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق