حرب تريد تدجيننا أو قتلنا

حرب تريد تدجيننا أو قتلنا
القصص | 24 نوفمبر 2013

وديع صالح | الموت سيد الموقف. في المدن والبلدات والقرى يترقب الناس الجثمان وأحياناً الجثامين التالية. فالقتل ليس بالمفرق، بل بالجملة ونصف الجملة والمفرق ككل التجارات.

ومقاييس الانتصارات أضحت كمية: تقاس بعدد القتلى! أما الأهداف والبرامج فتلصق بالوطن المقدس الذي يمثله شخص وكأن الوطن مربوط به وبه فقط! أوالطائفة المقدسة أو تعاليم السلف الأكثر إجراماً والذي يدعو إلى القتل والذبح. وفي الثقافة أيضاً يسود الأموات. ويتحكمون، في الكثير من المواقف، بالأحياء الذين تحول بعضهم إلى ببغاءات غير مسلية ولا علاقة لها بلطف الطيور، تتغنى بماضٍ مجيد، قتل وأهين صناع المجد فيه، ونسبت إنجازاتهم إلى السلف المستبد القاتل. فيكرس تكفير الرازي وابن سينا وتمجد فتاوي ابن تيمية! حتى في الحقول والغابات ماتت الأشجار محترقة ويبست الثمار على الأغصان! نريد أن تقول الحياة كلمتها وتصبح سيدة الموقف وهذا هو الطبيعي والعادي والذي لا يلتفت إليه بشر آخرون في أماكن أخرى.

يحق لنا أن نقول بدهشة وحزن:في سورية ترجم امرأة، وتقطع شجرة، وترتكب مجزرة باسم الحرية، ويخنق رجل من أجل أن تستولي الميليشيا المدافعة عن الممانعة على سيارته، وإجبار أهله على القول أن هذا من فعل العصابات الإرهابية المسلحة، ويموت المئات من الأطفال بيد "حماة الديار"، ويجوّع الناس لتركيعهم، ويعدنا أصحاب السلاح بدولة يحكمها قاتل: سواء كان ممانعاً أو خليفة، قاتل يتلطى وراء الوطن والأمة أو وراء اسم الله المقدس. نموت مرضى وجوعى، ونموت بمختلف أنواع الأسلحة ويحقق قتلتنا انتصارات مخزية، بعدد قبورنا وأوجاعنا.
من يخرج من بيته في باريس راجياً أن يتمكن من العودة؟ ومن يعود إلى بيته في ميلانو راجياً أن لا تصادر علبة الدواء التي أحضرها لزوجته العجوز أو ربطة الخبز التي أحضرها لأحفاده الصغار؟ ليست كعكاً أو نوعاً رخيصاً من البسكويت بل خبز غير ناضج يفرحهم كم يفرح ولد نهم في شيكاغو بأفضل أنواع الشوكولا.

لا يعرف أبناء موسكو ماذا يعني أن يكون احتمال أن تصبح جثة في الطريق إلى بائع الخضار الذي يبعد مئة متر عن مدخل بنايتك. ولا يهتم أبناء كولن في الخروج من البيت بعد العاشرة، ويشرب أبناء لندن شايهم في المساء كأن شيئاً لا يحدث بل يتبادلون النكات الباردة كما نتبادل نحن نظرات الأسى "دون شاي". بعضنا يملك الوقت لكي يستشيط غضباً من أجل حكاية كاذبة. (نريد جميعاً أن نصدق كل ما "يؤكد صحة وجهة نظرنا" ونحتاج إلى كل الأكاذيب التي تبثها وكالات الإعلام التي تثبت أننا على حق).

بعضنا يملك الوقت لسماع النغمات القاتلة للتراث ويتمايل طرباً وحماساً لجريمة رجم هنا وقطع أصابع هناك ومجزرة في مكان ثالث. وبعضنا يملك الوقت لسماع صوت مستقبل ما يأتي بطريقة ما حاملاً على صدره مجتمعاً نحلم به الآن.لا تتدخل فيه قوة أي سلطة في الآراء والمعتقدات والحياة الشخصية للفرد. أي خيار قاتل تطرحه علينا حرب الحذاء العسكري مع العمامة، فإما أن نكون هنا وإما نكون هناك؟ نحن نريد أن نكون مع أنفسنا، لا في "الهنا" و"الهناك" القاتلين، ونتمنى أن نكون أبناء عصرنا، ولا مصلحة لنا في حرب تريد تدجيننا أو قتلنا.

مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة، وإنما عن رأي الكاتب.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق