شلل .. جوع .. شتاء وطفولة

شلل .. جوع .. شتاء وطفولة
القصص | 16 نوفمبر 2013


على ذراعي الأيسر ندبة،  تقول أمي أنها تعود لأحد أنواع اللقاحات التي كنا نأخذها في الطفولة، رأيت الندبة ذاتها على ذراع  الكثير من الأطفال، كانت مدورة تختلف مساحتها  وشكلها من طفل لآخر كنا نضحك ونحن صغاراً عليها وندعوها " بالوعة " .
 أتحسس " البالوعة " بينما أحاول أن ألج صفحتي الشخصية على فيس بوك فيطالعني تقرير لمنظمة الصحة العالمية،  يقول أن هناك إصابات بشلل الأطفال في شرق سوريا، واصفاً  أن الإصابات العشر كانت لأطفال دون الثانية من العمر، لم يتعاطوا لقاحات مطلقاً، وذلك يعود للنقص في اللقاحات والجولات الميدانية التي تقوم بها الفرق الصحية عادة،  الأطفال دون الثانية  أي أن بعضهم لم يخطو بعد،  لم يجرب مغامرة التوازن والشعور بالثقل، لم يعتد على رفع جسده على ساقيه و لم يجرب  متعة اكتشاف الذات  في السقوط أرضاً والحرية في الاختباء هنا وهناك ..
لا أثر للخطوة الأولى ولصراخ ٍفرح ٍعلى وجوه ذويهم، ذلك أن فايروس أصاب ضحكاتنا بالشلل منذ سنتين ونصف، حيث يتابع  التقرير واصفاً الفايروس المسبب أنه ينتقل بالعدوى مصيباً الجهاز العصبي ومؤدياً للشلل وفي حالات متطورة للموت،  محذراً من أن نصف مليون طفل دون سن الخامسة سيكونون في خطر الإصابة به ! ..  
نصف مليون طفل يحوم حولهم شبح  الشلل،  فيما يباغتنا الشلل عن إيقاف ماكينة حرب ضروس تطحن أطفالنا، الجوع الذي يعصف بمناطق محاصرة في الريف الدمشقي،  إذ يمكنك أن تشاهد الجوع متجسداً بأضلاع القفص الصدري لطفل في الرابعة من عمره، لا يكاد جسده كاملاً يزن أكثر من  وزن رأسه،  والصفرة التي غطت وجنتيه، هذا الجوع الذي يعرينا تماماً ويضعنا أمام الاختبار الأقسى حين تصغر معاني الشعارات والهتافات إلى حجم قفص صدري لطفل في الرابعة يموت جوعاً !،  يمكننا أن نتشكك في التقارير والصور الواردة من هناك  ثم ننتقل بعدها للامبالاة تماماً كما أمكننا أن نهرب من مشهد أطفال يموتون بالسلاح الكيماوي،  يمكننا أن نغلق  أعيننا ونصم آذاننا لكن تاريخاً لا يرحم يهزأ باللامبالي بينما يحصي ضحاياه غير آبهٍ حتى بالطفولة .
 الأطفال هنا في هذه البلاد ضحايا لحروب ليست لهم،  فحروبهم لاتزال مع أقدامهم ومحاولات الخطو،  بينما تقول لهم البلاد " أنتم مقعدون " لأن لا لقاح لدينا"،  لا " بالوعة " إذاً ولا ضحكة يتبادلونها ساخرين من بعضهم البعض،  لا خبز هناك في الحصار والبرد يفتح أبوابه مع الشتاء   شتاء يقال بأنه الأقسى منذ أكثر من مائة عام ناهيك عن المخيمات وما ينتظرها،  أي قسمة ضيزى تلك  لأطفال هذي البلاد !
"نقطتين بالتم وبس" : نقطتان فوق بعضهما  لا تصحان لجملة مقول القول إذ أنها تعني بداية،  بل تصحان لتكونا كارثة فوق كوارثنا، فقد كانت سوريا بلداً خالياً من الشلل منذ أكثر من عشرة أعوام، و هذا ليس تقريراً إخبارياً أو نبأ للنشرات المسائية،  فهؤلاء أطفالنا، وتلك هي أطرافنا التي يصيبها الشلل حينما نشهد ما نشهد .

--------------------------------------------

مقالات الرأي لاتعبر بالضرورة عن رأي روزنة


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق