جولة الهروب انتهت وبدأت رحلة المأساة

جولة الهروب انتهت وبدأت رحلة المأساة
تحقيقات | 26 أكتوبر 2013

لأولّ مرة منذ بدء الاحتجاجات في سوريا، تحول الحيّ إلى بؤرة ساخنة مع دخول مئات من عناصر "الحر" إليه في نيسان الفائت. وحينها، ساهم سوء الواقع الأمني الجديد في تخبط الأهالي. وبدأ الغالب منهم في البحث عن منفذ للخروج. بعضهم نجح وآخرون لم يوفقوا، فيما فقد الكثيرون أعزاء لهم.

الخروج من الحي..
عاش عبدالله، ذو العشرة أعوام، رحلة الهروب تلك. في بداية المواجهات، أُغلقت جميع أبواب الفرج في وجه أسرته. يصور الطفل الحلبي تلك اللحظات: "سقطت الكثير من القذائف على الحي. خفنا كثيرا، وطلبنا من والدينا ان يخرجانا من الحي.. توجهنا على فورنا إلى حاجز السكة، فأخبرونا أن الخروج من هناك شبه مستحيل بسبب شدة الاشتباكات".
بعدها توجهت الأسرة إلى منفذ آخر، يقع على حاجز "العوارض". لكن عبثاً، على ما يشرح عبدالله. حيث أخبروهم الشيء ذاته: المرور صعب بسبب الاشتباكات. ويوضح عبد الله، أن عناصر من الجيش الحر هناك نصحوهم بالذهاب إلى حاجز (الجزيرة). ويتابع: "بالفعل توجهنا إلى هذه المنطقة.. ركضنا كثيرا حينها، خشية القناص، الذي لم يتوقف أزير رصاص بندقيته".

رحلة الموت..
ربما كانت رصاصة القناص أرحم على أسرة عبد الله من القذائف التي وَزعت شظاياها على أجساد جميع أفراد أسرته، هكذا يعتقد الطفل. لكنه وأسرته، في تلك اللحظات الغريبة والقاسية، لم يفكروا إلا في الدرب الذي من شأنه أن يوصلهم إلى أي مساحة آمنة. إذ كانت غايتهم الوصول إلى حي الاشرفية القريب. لكن الرحلة لم تكن سهلة. بل كانت مكلفة للأسرة المؤلفة من ستة أفراد.

يشرح محمد، عم عبد الله، ما جرى لأسرة شقيقه محمد بكر، الذي كان يعمل مؤذناً لأحد جوامع الحي: "خلال توجههم إلى حاجز (الجزيرة) سقطت قذيفة بالقرب منهم لكنها لم تؤذيهم.. غير إنهم لم ينجُ من شظايا القذيفة الثانية التي سقطت على بعد متر ونصف المتر عنهم". ويمضي عم عبد الله بالقول: "استشهدت طفلتهم آلاء، البالغة خمس سنوات، وهي في حضن والدها".

ويتابع العم روايته حول تلك اللحظات: "المشهد لم يكن طبيعيا حينها. الجميع يركض وسط حالة فوضى في الحي بسبب القصف العشوائي العنيف.. أخي لم ينتبه لحال زوجته إلا بعد نحو دقيقة أو دقيقتين من سقوط القذيفة الثانية؛ ليجدها مصابة في بطنها. حيث اخترقت الشظايا جسدها لتصل كبدها وتكسر ريشتين في القفص الصدري".

لكن ماذا عن أفراد الأسرة الآخرين؟. يتابع العم محمد: "الوالد أصيب في أذنه بشظية. ابنهم الكبير عبد العزيز أصيب في ساقه وبطنه. كما أصيب عبدالله وكذلك ابنتهم رغد بشظايا طالت جسديهما". جميعهم نقلوا بصعوبة إلى مشفى اعزاز ومنه إلى مشافي عفرين. حينها انتهت جولة الهروب تلك؛ لتبدأ رحلة المأساة بعد أن قرر الأبوين وصغارهما تخطي الحدود التركية بطريقة غير شرعية، بحثاً عن اللقمة.

من نار القذائف إلى جحيم الجوع
تعيش الأسرة الحلبية اليوم، أكثر لحظات الحياة مأساوية. فالوالد أُجبر على مزاولة إحدى الأعمال الشاقة في مدينة "ديار بكر". ينام على الصناديق ولا يستحم لأسابيع. الأم تُنقل من مشفى إلى آخر. ومن مدينة إلى أخرى بحثاً عن العلاج، حيث خضعت لثلاث عمليات حتى اللحظة. أما عبد الله، فلا يزال يستمر في الركض داخل ساحة كراج مدينة "قزلتبه" التركية، بحثاً عن زبائن جدد. حيث أضحى أصغر بائع سجائر في الكراج المذكور.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق