إلى ذاك الأخ الجميل المقاتل... تحية

مدرسة المشاة في حلب
مدرسة المشاة في حلب

سياسي | 20 أكتوبر 2013

يحدثني عن اقتحام مدرسة المشاة في حلب، كيف استدعاه الشهيد أبو فرات، ويقتطع القصة ليخبرني أن الشهيد "أبا فرات" هو قدوته في العمل المسلح، ويتابع: "شاركنا معاً في الاقتحام ذلك اليوم، أنا وأخي الأصغر".

عز الدين هو ذاك الشاب الهادئ جداً والجميل المحيا والذي يعكس وجهه خجله وسماحة أخلاقه، هو في الثانية والعشرين من عمره وقد انضم إلى صفوف الجيش الحر منذ ما يقارب الثمانية شهور، تاركاً وراءه جامعته وحياته وعائلته، يقاتل في معظم الأحوال جنباً إلى جنب بصحبة أخيه الأصغر، الشقي المشاغب الذي سبقه حتى إلى التطوع في الجيش الحر بعد أن كان سباقاً  كذلك منذ الأيام الأولى للمظاهرات السلمية في مدينة حلب.

يتابع عزّ رواية  القصة، كيف عاد من الحديث مع أبو فرات ليكتشف أن أخاه ليس بين المقاتلين وأنه تركه وتقدم في الاقتحام.

ومرغمةً ألاحظ تلك الدمعة القلقة العالقة في زاوية عينيه والتي استطاعت الذكرى وحدها أن تعيد خلقها، وهو يتلو لي كيف بدأ بالبحث عنه: "أخي مقاتل صلب  لن يقع في الأسر لكنني خشيت أن يكون قد أصيب"، وعندما لمحه قادماً، وثيابه بالكامل ملطخة بالدماء، انهار باكياً. ظل يردد في نفسه أن أخاه يأتي إليه ماشياً على قدميه علّ قلقه يخف ولو قليلاً فيطمئن. ورغم ذلك تفضحه محبته الأخوية أمام جميع المقاتلين.

كثيراً ما تراه في حلب المحررة مقطوعة الاتصالات معظم الأحيان يتابع مهمته في البحث عن أخيه الذي سبق له أن أصيب ثلاث مرات في معارك مختلفة.

اقرأ أيضاً: النظام السوري يسيطر على مدرسة المشاة بريف حلب

يقول لي وبصدق: "حين أصيب ظهره، كنت أفكّر في سيارة الإسعاف لو أنّ بإمكاني لأعطيته إحدى رجلي ليمشي بها في حال منعته إصابته عن المشي.. بصعوبة استطاعوا فصلي عنه لأخذ صورة الأشعة في الجهاز الطبقي المحوري، وعندما أخبروني أنّ بإمكاني إخراجه من المشفى، كانت تلك ربما من أجمل لحظات حياتي".

يحدثني ويحدثني عن شجاعتهما سوياً في حلب القديمة، عن تهورهما في بعض الأحيان، عن الأمان الذي يتضاعف لديه عندما يراه يقاتل معه في ذات الجبهة. يخبرني- وهو يبتسم خجلاً- عن الاتصال الهاتفي بوالدهما، يطلبان منه الرضا في حال أصاب أحدهما شيء، وكيف أن هذا الاتصال يشبع الأب بالقلق، وكيف أن هذه اللحظات الهاتفية مع العائلة تكاد تكون طقساً من طقوسهما على الجبهات.

حتى قصة اعتقاله في فرع الجوية وتعرضه للتعذيب تتعلق نوعاً ما بعلاقته بأخيه، فيقول: "ضربوني كثيراً لأعترف عليه".. يقصد المحققين  الذين عذبوه محاولين أخذ معلومات منه عن أخيه الأصغر المقاتل حينها، ويتابع: "لكنني نفيت أنني أعرفه. ما كنت لأقول معلومة عن أخي ولو كانوا سيقتلونني".

أسأله: هل تغيرت العلاقة الثورية بينهما عن أيام الثورة السلمية؟ ويجيب أن النضال المسلح جعلهما أقرب، ففي أيام المظاهرات اعتاد كلاهما ألا يخبر الآخر بمشاركته في المظاهرات، وكثيراً ما التقيا مصادفة، أما اليوم فيحاولان أن يقاتلا جنباً إلى جنب، سعياً وراء الحرية التي آمنا بها منذ بدء الثورة.

قد يهمك: قوات النظام طوقت حلب استعداداً لاقتحامها

يقول لي "علي" الأخ الأصغر: لم أكن أتخيل يوماً أن أحمل السلاح أو أقتل أحداً، لكن الدفاع عن الثورة تطلب مني ذلك، وأسأله برفق هل تشعر بتأنيب الضمير.. فيجيب بغصة أفهمها تماماً: "في كثير من الأحيان نعم، أشعر بالحزن أن أماً ما ستبكي ابنها بسبب شيء فعلته". وبصمت أدعو في قلبي أن يحميه الله لنا، فسوريا حتماً تحتاج بين المدافعين عنها إلى أشخاص بأخلاقه.

ختاماً، فلربما نسينا كثوار مدنيين في ازدحام الانتهاكات والسلوكيات السلبية التي نسمعها هنا وهناك عن الكتائب المقاتلة في الجيش الحر أن هناك أمثال هذين الأخوين على جبهة ما، يؤمنان أنهما هناك لأجل سوريا أجمل وأفضل.. لربما أثقلتنا مسؤوليتنا في فضح أخطاء الثوار ومحاولة تصحيحها أن نلتفت قليلاً إلى أولئك الذين هم باقون على العهد الأول، والذين لا زالوا يذكرون الصرخة الأولى: "الشعب السوري ما بينذل".

إلى أولئك كلهم.. الباقين في ساحات النضال، أو الذين استشهدوا لأجل أن نصبح أكثر قدرة على الحلم والتعبير والتغيير.. وإلى ذلك الأخ المقاتل الجميل.. وأخيه الأصغر.. منا تحية ودّ ثورية.. والكثير الكثير من الفخر.

 

مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة"


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق