على ضفاف القرار الصادر مؤخراً في مجلس الأمن الدولي حول السلاح الكيميائي السوري، حدثت أحداث، تحولات داخلية سورية، وثلاث إقليمية، دولية، قد يؤدي قراءة التقاطع بينها إلى فهم أوضح لطبيعة التعقيد الذي وصله الربيع العربي في المنطقة.
بين ضمور الفعل الداخلي وتضخم الفعل الخارجي لتمرير تسويات وسطى، تلبي متطلبات المصالح الدولية الإقليمية على حساب مصالح الشعوب الثائرة، مع إبقاء دائرة الفعل، النضال مفتوحة لفاعلين داخليين قد تنتجهم مرحلة ما بعد التسويات لدفع الأمور باتجاه أفضل، مع العلم أن الفعل الداخلي في نهاية المطاف محدود بحدود الوعي السائد اجتماعياً وهو أمر لا يصب لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان ومفاهيم الحداثة، إلا أنه يبقي الدائرة مفتوحة للنخب لتفعل فعلها عبر توسيع دوائر الوعي بعد أن أحكم الاستبداد إغلاقها طيلة عقود مضت.
الأحداث السورية الثلاث: (1) إعلان أربعة عشر مجموعة مسلحة ( منها ثلاث تابعة للجيش الحر) إعادة تنظيم نفسها في إطار جيش إسلامي خارج الجيش الوطني الذي ينوي الإئتلاف تشكيله، مما يعني عمليا سحب الثقة من الائتلاف. (2) توقيع مئة ضابط في "الجيش الحر" وثيقة تعلن رفضهم المشاركة في مؤتمر تشارك به إيران مع التركيز على رحيل الأسد في أي تسوية. (3) إعلان ثلاثين فصيل مسلح رفضهم الاعتراف بالائتلاف الوطني.
الأحداث الثلاث جرت في الوقت الذي كانت فيه قيادة الائتلاف في واشنطن التي تحاور الروس لوضع "جنيف" على سكة التسوية.
الأحداث الثلاث الإقليمية الدولية: (1) اجتماع أصدقاء سوريا في نيويورك بحضور الائتلاف ووزير الخارجية السعودية " سعود الفيصل" الذي أكد على "تكثيف الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للمعارضة السورية لتمكينها من الدفاع المشروع عن نفسها، وتغيير ميزان القوى على الأرض، وهو ما سيدفع بالحل السياسي المطلوب". (2) تقارب أمريكي/ إيراني تُوّج باتصال بين الرئيسين.
هو الأول بين رئيسين ( أمريكي/ إيراني) منذ عام 1979. (3) إشارة الرئيس الأمريكي في خطابه أمام الأمم المتحدة إلى "الجهود لحل التوترات الطائفية التي مازالت تظهر في مناطق كالعراق والبحرين وسوريا"، إذ كان مفاجئا ظهور اسم " البحرين" على لسان الرئيس الأمريكي بعد تجاهل طويل لانتفاضة قمعت بتدخل سعودي عسكري فاضح، لكنها لا تزال مستمرة رغم التعتيم الإعلامي.
في قراءة ما سبق، يبدو واضحا أن واشنطن وروسيا تناقشان الموضوع السوري ضمن سلّة متكاملة على مستوى الإقليم الشرق الأوسطي، لوضع نهاية للربيع العربي لا تؤثر على مصالح القوى الكبرى وإسرائيل عبر إعادة التوازنات من جديد: تسوية تبدأ من دمشق ولا تنتهي عند إيران التي دخلت مجال التسوية الروسي الأمريكي من بابها الأوسع، وفرضت مقايضة ملفها النووي و البحرين بالملف السوري: تنازلا هنا يقابله تنازل هناك، الأمر الذي سيجعل سقف المطالب الوطنية الداخلية في سوريا والبحرين مرهونة بهذا التلاقي الأمريكي/ الإيراني/ الروسي، وهو أمر ربحته الثورة البحرينية التي تعاني تجاهلا عالميا فاضحا، لصالح ما قد تخسره الثورة السورية.
وهنا نكون أمام نجاح الثورة البحرينية في المثابرة على سلميتها لقطف نتاج نضال طويل مقابل جنوح السورية نحو تسلّح لم يكن كله بفعل عنف النظام وحده كما يسوّق الكثيرون، لأن ثورة البحرين وُوجهت بتدخل خليجي عنيف مقرون بعنف سلطة غاشمة أعمى من المفترض أن يكون موّلد عنف ( كونه بمواجهة تدخل خارجي واضح) أكثر من الثورة السورية التي بيّن تفكيك "الكيماوي السوري" قبل أن تأخذ الثورة أي مكسب لها حتى من قبل من دعمها بهذا المسار دوليا، مدى خضوع العنف الداخلي لأجندة خارجية دون نفي أن النظام المستبد كان سببا أساسيا، ولكنه ليس الوحيد.
بشائر التسوية الدولية التي تطبخ الآن، كانت مسار اعتراض إقليمي واضح من دول مثل السعودية وقطر وتركيا، وهو ما يمكن فهمه بوضوح من قيام تلك الدول بتحريك الأحداث السورية الثلاث ( التي ذكرت فوق) كونها مصدر دعم تلك الجهات، خاصة أن ما يظهر من أفق التسوية يمس الأمن السعودي في موضوع البحرين، والخليجي والتركي بمواجهة الإيراني في المنطقة. وهنا يحصل التقاطع بين اعتراض الضباط على أي مؤتمر تحضره إيران ( من المفترض أن يكون التركيز على تحقيق أهدافهم بغض النظر عمن يحضر!) وعلى إصرار وزير الخارجية السعودي على دعم المعارضة بالسلاح بغية تحقيق توازن يفضي إلى تنازلات أقل في البحرين و أكثر في سوريا، أو عل الأقل فرض رحيل رئيس الوزراء البحريني وفرض إصلاحات جدية مقابل حكومة كاملة الصلاحيات في سوريا ورحيل الرئيس السوري في توقيت واحد! أو جولة عنف أخرى بانتظار موازين قوى جديدة، يذهب من يخسر بنهايتها ويبقى من يربح عسكريا.
الوضع هذا سيدفع السعودية وقطر وتركيا لتنحية ما بينهما من خلافات جزئية لصالح مواجهة الإيراني الذي بات قاب قوسين أو أدنى من عقد صفقة شاملة مع واشنطن، كي لا تكون على حسابهما، ليبقى السؤال: هل تقدر تلك الدول على الخروج عن مشيئة الأمريكي؟
ما حصل في مصر من اعتراض سعودي واضح على قدوم الإخوان إلى السلطة والعمل ضد ذلك وصولا إلى دعم الانقلاب، يشي بأن القوى الإقليمية الثلاث قد تتحرك منفردة، مستغلة التذبذب والضعف الأمريكي في قيادة العالم، إن لم تأخذ التسوية الدولية تلك المصالح الإقليمية بعين الاعتبار، علما بأن هذا الاعتراض الإقليمي نفسه يريح واشنطن لأنه ورقة ضغطها الوحيدة بوجه إيران وروسيا.
مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة