مريم وجنونُ اللجوء..

مريم وجنونُ اللجوء..
تحقيقات | 07 أكتوبر 2013

طلب أحدهم يد مريم للزواج بعد وصولها إلى لبنان بعشرة أيام، تعرفت عليه وبعد شهر تزوجوا، هاربة هي من فقر قد يُحل بالزواج، بقيا عشرين يوماً مع بعضهم ثم هرب الرجل. بقيت تحاول العيش وحيدة بانتظاره. عادت إلى منزل أمها لأنها لم تحتمل  الدائنين الذين ظلّوا يقرعون بابها، بعد أسبوع جنّت مريم.

تقول أُمُها بأنّه لم يكن رجلاً بمعنى الكلمة، لكنها أحبته: "تطلقت مريم، ما خرج هو، ما بيحمل مسؤولية، ما قدر يدير بالو عليها لمريم، وهي كانت عندها ياه بيسوا الدنيا كلّها، حبتوه هي، وقالت أنا بعيش معو عالحلوة والمرة. هو مانه زلمة".
وعما حدث معها بعد الطلاق قالت أم مريم: "ضلت شي عشر أيام هيك، كل ما تفكر بالموضوع بقلها لا تفكري انسي يا مريم، ما فاضيين إحنا نفكر، بدنا نركض ورا القرش، إحنا جايين وما إلنا حدا هون وما عنّا زلمة يدير بالوا علينا بدنا نشتغل ونعيش يا مريم، قالتلي اي، نزلت تشتغل، الله ما كملها معا، كانت بتبيع مكياجات وهيك شغلات ما في جمعة زمان وكانت صايبتها الحالة بعد طلاقها".

جنّت مريم وبدأت تتحدث بأمور غريبة، تضرب أختيها وأمها إن أرادت. وجه مريم مدور جميل، عيناها واسعتان، تقول لك بأنّها تقرأ ما في قلبك وتكشف لك مستقبلك، تتحدث عن الجن وعن الأنبياء، لا أحد اهتم بها إلا الأم وأحد جيرانها الذي كان صديقها في دمشق وامرأة فلسطينية تعمل كناشطة اجتماعية في مخيمي صبرا وشاتيلا في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث تسكن مريم.

أُخذت مريم إلى شيوخ ودجالين كثر، حسب تعبير صديقها، ليخرجوا الجن من داخلها كما وصفوا الحالة لأمها، لكن لا أحد استطاع أن يريحها من عدم قدرتها على النوم أو من صراخها وجنونها الذي بدأ يكبر يوماً بعد يوم.
يقول صديقها الوحيد بأنّ ما أصابها هو مرض نفسي، وبحاجة إلى علاج وفي تحليله لأسباب هذا المرض يقول: "تشتت الأهل، بعد الأب والأخيين الشباب، إخواتها الشباب كانوا سندها، قولاً واحداً سند العائلة، بعد الخالة اللي كانوا قراب كتير، الشوق للبلد البيت والمحيط اللي كانت في، تغير عليها الجو، لاقت هون إنوا لبني آدم لازم يسأل حتى يعيش".

مريم الآن ترقد في "دير الصليب" تتلقى العلاج اللازم بعد عناء طويل في إدخالها إلى هناك، لعدم توفر الأمكنة.
حكاية مريم ليست حكاية منفردة لما يعانيه من النازحون السوريون، حيث لم يستطع المجتمع الجديد الحاضن لهم أن يستوعب كل احتياجاتهم، لتبقى هنا مريم ضحية بين آلاف ضحايا التشرد السوري.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق