لحظات مربكة كهذه تحدث كثيرا خلال العمل الصحفي فيما يخص المأساة السورية، ويزداد الأمر إحراجا عندما يكون الصحفي سوريا وأحد أبناء المأساة نفسها.
محمد جزار من الصحفيين الذين كانوا على احتكاك بالسوريين ومعاناتهم منذ بداية الثورة، دخل بيوتهم وخيام لجوئهم واستمع إلى كثير من قصصهم المؤلمة وتحدث إلى روزنة عن طريقة تعاطيهم معه.
قال إن هناك من يلومونهم ويعتبون على تقصير الإعلام بحقهم، وهناك من يتساءل عن جدوى تصويرهم وظهورهم على الإعلام منذ سنتين دون أن ينعكس تأثير ذلك بشكل واضح على حالهم، وثمة من يرحب بهم.
الصحفية زويا بوستان لديها تجارب مشابهة أيضا وبالتحديد، إذا كان الضحايا يتقبلون تعاطف الصحفي الذي لا يعاني بالضرورة من المشكلة ذاتها.
تحدثت زويا عن موقف عالق في ذاكرتها أثناء تواجدها في مدرسة للاجئين بمنطقة الدويلعة، حيث كانت جالسة إلى جانب امرأة أخذت تتحدث عن ابنها المعتقل والذي أخذوه بثياب النوم الصيفية من البيت، الأم كانت تتساءل عن حاله خلال هذا الشتاء وتبكي، وأضافت زويا أنها لم تتمالك نفسها وبكت خلال حديث الأم، في تلك الأثناء كان هناك رجل يجلس منعزلا قبالتهما، فنهرها قائلا "أنت لماذا تبكين!؟"
وأبدى لها رفضه لمشاعرها التي لا يصدقها بحسب وصفه، تقبلت زويا موقفه واتهامه.
أما نبيل شوفان فهو يخشى على نفسه من تبلد الحس الإنساني خلال عمله اليومي في تحرير الأخبار وإحصاء عدد الشهداء، ويستغرب كيف أن هذا الأمر تحول مع الوقت لعمل روتيني.
خلف كل مادة إعلامية تفاصيل إنسانية من هذا النوع قد لا تظهر دائما للجمهور، فثمة خليط من المشاعر تنتابك وأنت تدخل في تفاصيل حياة أشخاص منكوبين بفاجعة وتطلب منهم الحديث عنها، وأن تكشف عن حالات الانكسار والهوان لأبناء من بلدك وأهلك وتحولها إلى قصة لتصبح مشاعا بين أيدي الجميع.. أن تنقل للعالم صورا عن حالات من الذل والفاقة والحاجة لأناس هم في النهاية أهلك .. أمر ليس بالسهل.