فسادٌ أيضاً في مؤسسات المعارضة

فسادٌ أيضاً في مؤسسات  المعارضة
القصص | 13 سبتمبر 2013

 يعزى الفساد الإداري في تكوينات المعارضة السورية، وبالأخص "المجلس الوطني السوري"، ومن بعد شقيقه "الائتلاف"، إلى ثقافة التوازنات ذاتها المعتمدة من قبل النظام، وإن كانت على حيز أضيق من حيث الكمّ والنوع والشكل المتخذ مبدأ التوازن تحت الطاولة عند النظام. هذه التوازنات ذات مراجع طائفية وإقليمية وعشائرية وحزبية، وكل من هذه المراجع يتخذ مرجعيات داخل المكان الذي يحتله يتماشى مع البيئة التي منحته هذا المكان، فنرى الطائفي ينتقي الناس المقربين من المراجع الدينية، والإقليمي ينتقي شخوصاً ذات صلات بالدول التي يتبعها، والعشائري يسارع لمحاباة وجهاء وأعيان قبيلته التي ينحدر منها، والحزبي ينتمي لمنظومته الأيديولوجية، وما يفترض أنها الحقيقة المطلقة التي لا يخامرها الشك لديه، ولدى رفقائه من منتسبي ذات الحزب، وهكذا دواليك.
هذا الاستتباع يقود بالضرورة ويفضي إلى الفساد. حيث إن صاحب المركز أو الوظيفة لا يقيم لها وزناً، من حيث أنها مركز أو وظيفة لإدارة شؤون الناس، وتقديم للعام على الخاص، والخير على الشر، بل تقوم على مبدأ محاباة المرجعيات التي قادته للمركز أو الوظيفة. وحينما يتصرف بسلوكيات لا تتماشى مع المنظومة القانونية، يكون حينذاك محمياً من قبل الذين عينهم بالوظائف/ حاشيته، التي يحوز عليها سلطة الأمر والنهي، وغالباً ما يختارهم من الضعفاء ومنعدمي الخبرة حتى لا ينافسوه بتقديم الطاعة والولاء المباشر للمرجعيات المذكورة سالفاً.
ومنطق الحميات بين صاحب الوظيفة الكبرى الحاصل عليها عبر إحدى المرجعيات، الطائفية أو الإقليمية أو العشائرية أو الحزبية، يحكمه الطموح الذي غالباً ما يكون مستصحب الفساد متعدد الأشكال، كونه لو كان من ذوي الاستقلالية لما أضطر أن يراعي هذه القواعد من الحميات والاستتباع,والتزام ألاعيبها من الفساد والإفساد.
هذه العلائقية تنفي عنها أبسط مفاهيم التعاطي القانوني والإداري والمؤسساتي,الشخص الذي يضع في هذا المركز والناس الذين يوظفهم لديه,يفتقرون لمفهوم"المواطنية",هذا المفهوم ليس له وجود في جملة التعقيدات المرجعية,مما يحيل لانعدام إمكانية بناء أي تصرف أو حيثية على مبدأ صحي وسليم. المواطنية بما هي فعل يصدر عن بنية قانونية ومجتمعية نموذجية، تغيب لصالح تعقيدات المرجعيات ما تحت مواطنية، وهذه المرجعيات الما تحت مواطنية يصدر عنها سلوكيات ما تحت قانونية بالضرورة.
والقانون في حلبة الشخصنة السابقة يكون له حضور,ولكن هذا الحضور محدود وخجول,ولا يمكن أن يلعب دور كبير في ظل التأثر والتأثير ضمن تفاعلية الكل المحسوس ذو المنبت المرجعي,وتبقى المصالح الشخصية الضيقة ما تحت الوطنية حاضرة وغالبة على المصلحة الوطنية.
وإذا ما حصلت مواجهة بين المرجعيات ما تحت المواطنية والمرجعيات القانونية المتجسدة في سلطة القانون، نجد القانون عاجزاً أمام مواجهة الطموح الكلاني، لافتقاره للأسس الديمقراطية التي تخرج به من أسر الشكل إلى المضمون، وإلى غياب الأبعاد السياسية والمجتمعية والمؤسساتية المتلازمة لصالح أبعاد أخرى. وتكون هنا المواجهة محسومة لصالح الطموح الكلاني على حساب الصالح العام، وما يقتضيه من مراعاة للقانون عبر السلوك والممارسة اليومية.
المرجعيات ما تحت المواطنية تتيح للفرد المختار أن يشتمل على سلطة الأمر والنهي على مساحة واسعة من قطاع حياة المجاميع، وهذه الفردانية تحتاج لشخوص آخرين لمساعدتها على إدارة هذا القطاع. ولا يكون لهذه المجاميع ضمن المرجعيات سالفة الشرح أي دور سوى في تلقي الفتات، نتيجة التقاسم بين مصدر المرجعية وتابعه وتوابع التابع، ويكون متلقي فتات المنفعة من كلية المجاميع هو الحلقة الأضيق والأضعف ضمن هذه الدورة.
ما أود قوله في نهاية هذا السرد إن غياب مفاهيم المواطنة والقانون والديمقراطية المجردة التي ينتج عنها سلطة الأمر والنهي الملزمة، والتي تضمن بنية نموذجية لتحرك القطاع العام الذي يعود بالنفع على المجاميع، لا يمكن أن ينتج مؤسسات أو بنى قادرة على تحقيق إنجازات ولا بالحد الأدنى. الحد الأدنى الذي يستلزمه اشتراطات من الاستقلالية والنزاهة والانطوائية القانونية، في ظل حضور المرجعيات الطائفية، الإقليمية،  العشائرية، والحزبية.
------------------------------------------------

مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة وإنما تمثل رأي كاتبها


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق