لماذا ثورة حريات إنسانية؟

لماذا ثورة حريات إنسانية؟
القصص | 16 يوليو 2013

بعد أن توصلت البشرية إلى امتلاك أدوات فنائها، لزم عليها التفكير بطرائق صراع/ تعايش بديلة.
حقق عصر القوميات نموذجاً للاجتماع البشري، له حرمة البيت- بالنسبة للعائلة- هو نموذج الدولة الأمة.
اليوم، ومع انفجار التقانة، أصبحت البشرية أمام تحديين: دفاعي، تحمي به خصوصياتها. وإبداعي، تحاول اجتراحه، لتقييد الجنًي، الذي لم يعد ممكناً إعادته إلى القمقم.
ولقد كان استسلام النموذج الاشتراكي العالمي، المتداعي بنتيجة الحرب الباردة، مؤشراً على عجز الدولة/ الأمة، أمام استباحة العولمة المتعاظمة.


هل الشعوب سعيدة؟
ما لم تبلغ المجتمعات حالة من الرضى، تسمح للنظم السائدة أن تستقر؛ فلن يقيّض لهذه الأخيرة أن تنعم بالراحة.
صحيح أن ما وصل إلى يد الشرائح الواسعة من الناس اليوم، شيء يشبه الحلم. قياساً بعصور كانت مقتنيات الملوك لا تزيد عن الأمشاط و العطور و أدوات الزينة. ولكن أحدث هذه المقتنيات العجيبة( الموبايل)، الذي يشاطر فيه راعي الغنم أخاه الإنسان في أرقى البلدان؛ لا يزال عاجزاً عن ردم الهوة الرهيبة في الفوارق، بين أفراد وجماعات البشر/ الأخوة. فالتسابق على امتلاك أكبر تنويعة من المنتجات الأحدث، بات يمثل دين الأفراد في العصر الحديث. وسبباً يبرر لهم خوض صراعات رهيبة.
واكبر الشواهد نلمسه في السلبية المؤسفة التي تبديها الشعوب اليوم حيال قضاياها المتبادلة. على نحو يشبه اكتفاء الحيوانات البرية بالتفاتات ذعر- تتوقف فيها عن قضم العشب- حين ينفرد وحش بأحدها.
لكن الشعوب ليست قطعاناً حيوانية. وبرهان هذا في الثورات، بما هي قطائع تاريخية، تشرح خفايا تلك المخلوقات، التي ترفض أن تعامل كالقطعان. والمفارقة أن الخروج على السلطة محالٌ، ما لم يكن جمعياً( قطيعياً). ولكنها قطيعية التوحد المؤقت على زمن الحاكمين السرمدي؛ لقطعه هو، ودفع الحكام للترجل والهروب، تاركين قيادة التاريخ، لفترات استثنائية، لا تلبث بعدها الجماعات نفسها أن توليها من جديد، لحاكمين جددا!


عتبة الإنسانية
لا بد أن البشر معنيون- ولو غريزياً- بتفادي حرب النهاية. ومثلما أوجدوا الرابطة القومية، كرابطة وهمية، للتعويض عن روابط سابقة، أورثتهم الانقسامات- كالأديان والامبراطوريات والممالك السلالية- ثم ضحوا بها للدخول في الحداثة؛ هم اليوم معنيون بالعثور على رابطة جديدة أفضل.
نقف اليوم على عتبة الإنسانية. والسؤال: هل الإنسانية حقيقة موجودة أساساً؟ أم ان علينا افتراضها، ثم فرض وجودها، كما أوجدنا الأمة من قبل؟
أعتقد أن علماء الأناسة لا ينكرون دخول الجنس البشري مرحلة مختلفة عن النوع الحيواني. وإن اختلفوا في تحديد بدايتها: العائلة، أم الملكية، أم المشاعر..؛ مهما يكن، فالتمايز عن الحيوان، استتبع تمايزات بينية، غير موجودة في أي جنس آخر من الحيوانات. وهو ما يسمح لي بتخيل حصول فعل الحرية في الجنس البشري، على نحو يشبه فعل الانفجار الكبير في الكون. فكما حرر الانفجار المادة، فقد شظّاها أيضاً، وتسبب في ابتعادها مسافات خيالية( فلكية)؛ كذلك فعلت الحرية في كلتة البشر المتماثلة: ميزتهم أفراداً، وباعدت بينهم مسافات فلكية، يمكن للمتبصر في أعماقهم أن يكتشفها، كما اكتشف المتبصر في الكون مسافاته الرهيبة.

الحرية، إذن، هي قيمة راخمة فينا. هي دالّتنا الأساسية- على الأقل بعد تمايزنا بالعقل. وهي أيضاً سبب ما قاسيناه ونقاسيه، على يد محتكري الحرية/ أسياد القطيع الأُوَل.
هل بتنا أقرب إلى حرياتنا؟ نعم، هذا ما اعتقده. ولكن حدث هذا بفضل تنامي قوة الشرّ في وسائل الاحتراب التي نملكها. هذه مفارقة، تشبه تلك التي تبدو للبعض تناقضاً، متمثلاً في القول بأننا نقف على عتبة الإنسانية، فيما الجماعات البشرية تشد أزرها في انتزاع حرياتها، بروابط قديمة، مثل الدين. وهو ما يبدو ارتدادا على التكوينات الأحدث، وأعني القومية/ الأمة.

برأيي أن وقوف البشر اليوم على عتبة الإنسانية، بالقبض على الحريات، والحقوق، يعني أن خياراتهم الحديثة صارت مساحة مشتركة للذات وللآخر؛ وهي خيارات ستجمع القديما البالي، مع ما يبدو الغريب الشاذ. فلم تعد الهوية مجموعة خصالٍ صافيةً، وخِللٍ نقيةً- كما كانت في الذهنية الاختزالية والفاشية.

*مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي روزنة، وإنما تمثل وجهة نظر كاتبها.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق