ثورة ملحمية وعناوين لاحمة

ثورة ملحمية وعناوين لاحمة
القصص | 01 يوليو 2013
ميزة علم الدفاع عن النفس، أنه علم لا يحتاج إلى تعلم. فمنذ قرّر الإنسان ترك مملكة الحيوان، والتجول وحيدا في السهوب أو المناطق الوعرة. كان لابد له من استخدام الأدوات، ضد الحيوانات المفترسة كي يبقى على قيد الحياة. فأكتشف أنه الكائن الوحيد الذي يحتاج الأدوات كي لا ينقرض، فبتخلصه من الشعر على جسمه صار عرضة للبرد، وبهجرته للأشجار صار أقل مرونة بالقفز، وانتصابه على اثنتين، صارت الحيوانات تنظر إليه كمهرج الغابة، مثلما يفعل مروضوا الأسود وكلاب السرك اليوم فنصفق لهم إعجابا.

بالمقابل لم يحظ أسلافنا بالتصفيق بل بالانقضاض السريع على أجسادهم الهشة الخالية من الريش والشعر، وغالبا ما تعاف طعمهم الحيوانات، فلقد كانوا كتلاً من العظام، قبل دخول كنتاكي وماكدونالد وبيتزا هات لتكسوهم بطبقات رباعية من الشحوم القاسية العصية على الذوبان. صحيح أن فم الإنسان سيغدو مع الوقت، العدو الأول الذي قتل من البشر ما يفوق ما ألتهمته الحيوانات المفترسة من بني جنسنا، ليس بسبب ما يحشو به فمه من مأكولات معدلة وراثيا أو أطايب مؤكسدة متشتشة بالزيوت والدهون غير المشبعة، بل لأنه حين تعلم الكلام، فأضحت هذه العضلة المتحررة من ثلاث جهات كالحصان الذي يصون راكبه أو القاتل الذي يودي بباقي أعضاء الجسد إلى الموت، نتيجة طيشه وانفلاته من زمام العقل.

إذن استخدم الإنسان التراب ليرشه على عيون القوارض، الحراب لمواجهة الذئاب، الحجارة لأبعاد أبناء العمومة الساخطين من القرود، النار ليخيف الوطاويط والضباع ، واللسان للنيل من عرض أخيه الإنسان. وبإحصاء بسيط لأقسى أنواع العنف اللفظي، نجد أنها تتلخص في اغتصاب الأخر، ومن هنا تبدو جريمة الاغتصاب جريمة إنسانية بامتياز، فلم يعرف عن جنس حي، قام باغتصاب جنس آخر، ففرضا النمر لا يغتصب أنثى الغزال الذي تسبب له بكسر باليد لأنه لاحقه لمسافات طويل في أرض وعرة، وصديقنا الحمار، صاحب العضو الأشهر بالتاريخ وليس الأكبر، هو من يتعرض للاغتصاب من قبل الإنسان الذي استأنسه. وبعد أن أثبت علم الحيوانات أن البرغوث هو صاحب الذكورة الأعظم من بين الكائنات الحية، إذ يبلغ طوله ثلث جسده، وعلى الرغم من هذه المقاسات العظيمة لم يسمع أن البراغيث، اغتصبت حتى ألد مزاحميها على لقمة العيش كالبق، والقمل.

فقط الإنسان يستخدم الاغتصاب لإرضاء غرائزه الإنسانية ويتهم زورا فصيل الحيوانات باللقب، فالحيوانات بريئة مما فعله هذا الجنس العجيب من جرائم على وجه الحياة. ولو كان للحيوانات صوت، لكانت حتما الشتيمة الأبشع التي يتشاتمون بها، هي (العمى شو انك إنسان). السوري اليوم المعرض لمخاطر التطهير بسبب السليط اللسان، الذي تحرر من عقدة الخرس، يبحث عن وسائل بقائه، وسيستعمل كل الأدوات الممكنة ليحمي نفسه، ابتداء بالهروب واللجوء أو البقاء برفقة صديق الموت السيد كلاشنكوف، أو رقيقة الفم السيدة بازوكا، أو أي نوع من عائلة الحماية يتاح له استعمالها. الخوف من السلاح ليس مبررا لأن الشرير والمجرم والقاتل، تكفيه عصا أو سكين ليكون ذلك.

ليست الأداة من تحدد ميوله، ربما تعطيه أفضيلة ما،لأن من يريد أن يقتل أو يسلب أو يسرق أو يغتصب أو يذبح سيفعل ذلك بأدوات محلية الصنع. ولا تحتاج إلى قرارات دولية للتسليح. ولكن الخوف الحقيقي هو من اللسان، من الفكرة التي يحمل تحت سطوتها السلاح. الملحمة السورية كتبت بالدم، ما ينقصها هو العنوان بالأحرى لسان حال جامع لكل هذا الفصول التي كتبت بها. حينها سيغدو الخوف من تسليح الثورة كما يجب وكما يليق، التسليح لدفاع عن الثورة لا التسليح لقتل الثورة، باسم مقاتلة نظام.

مثل اللغة والعناوين التي خرجت من كتائب بعضها غريب عن الجغرافية السورية، وأخرى لا تتقن الكلام بل الهذر الديني وتترك هذه المهمة لآخرين في الخارج يختارون لغتها، وبعضها يغالي برفع شعارات كيدية أكثر مما هي واقعية إلى مجموعات من العاطلين عن العمل، يتلثمون ويسمون أنفسهم كتيبة حمد، فيقبض وكيلهم الملايين ويرمي لهم الفتات، فيتلثمون من جديد، ويسمون أنفسهم كتيبة رفيق الحريري، ليتغير مصدر الفتات، ويستمر الوكيل بتكديس الملايين. وتواجه كل كتيبة لا تطلق على تشكيلتها إسما يرضى عنه وكيل إعلاناتها، الجوع أوالتطنيش أوالخوزقة! وبات من المعلوم وبشكل متعمد منع ظهور خطاب وطني سوري ثوري في الإعلام، وتم الغدر بالشخصية الوطنية الأبرز، في الجيش المنشق، تصفية العنوان الوطني للانشقاقات الأولى فانتهى فصيل الضباط الأحرار بقيادة حسين الهرموش.

فتصفيته أجمعت عليها مصلحة الوكلاء والنظام معا. واستبدلت بالجيش الحر. الأقل صرامة بالعناوين الوطنية. فالمطلوب في سوق الفوضى هو عناويين مريبة تقتل أعمق ثورة شعبية في المنطقة وتشوهها وتشوش عليها. كي لا يفكر باقي سكان المنطقة بالربيع. أعتقد أن تسليح الجيش الحر، يجب أن يتواكب مع استعادة العنوان الوطني للثورة السورية، بدون هذا العنوان،(ثورة الكرامة والحرية الوطنية) سيبقى الإنسان السوري وكأنه خارج للتو من مرحلة الجمع والالتقاط. يتوه في براري البلد، أو غابات العالم، فاقدا لسانه من جديد.

*مقالات الرأي لا تعبر عن رأي روزنة بالضرورة انما تعبر عن رأي كاتبها.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق